أعلنت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري، اليوم ، الانتهاء من تقريرها في نهاية المهلة المحدّدة، مشيرة إلى أنها سلمته للرئيس السوري أحمد الشرع، وأن الأحداث التي تشهدها المنطقة الجنوبية كانت سبباً في تأخير إعلان تسليمه.
وأكدت اللجنة، في مؤتمر صحافي في دمشق، أنها تحققت من 1426 قتيلاً، منهم 90 امرأة، والباقون معظمهم مدنيون، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة. وبالرغم من عدم استبعاد وجود عدد من عناصر الفلول بين القتلى، رجحت اللجنة أن معظم حوادث القتل وقعت خارج المعارك العسكرية أو بعد انتهائها، وأكدت أنها اطلعت من مصادر مفتوحة على أعداد إضافية من القتلى لم تتحقق من صحتها، بسبب عدم ورود أسمائهم في كشوفات المقابر أو إفادات الشهود الذين استمعت إليهم. كذلك تبلغت اللجنة بمعلومات عن 20 شخصاً من المفقودين، بعضهم مدنيون، وبعضهم من عناصر القوات الحكومية.
وأشارت إلى أنها توصلت إلى أسماء 298 شخصاً من المشتبه في تورطهم في الانتهاكات، لافتة إلى أن 200 ألف مسلح اتجهوا إلى الساحل السوري لاستعادته من سيطرة فلول النظام السابق، فحدثت عمليات قتل وتجاوزات، متحدثة عن أن فلول النظام حاولت فصل الساحل عن باقي المحافظات والسيطرة عليها. وأوضحت اللجنة أنها عرّفت ما شاعت تسميتهم بـ"الفلول" بأنهم بقايا مجموعات مسلحة منظمة مرتبطة بنظام الأسد السابق خارجة عن القانون وشرعية الدولة.
وأعلن المتحدث باسم لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري ياسر الفرحان أن اللجنة أحالت على النائب العام لائحتين بأسماء المتورطين في الانتهاكات، مشيراً إلى أنها زارت 33 موقعاً، وعاينت أماكن الوقائع، وكشفت على المقابر وأماكن الدفن المتعددة، ووصفت مشاهداتها بحضور المخاتير ورجال الدين وعدد من ممثلي العائلات، لافتاً إلى أنها عقدت لقاءات عدة مع عشرات الشخصيات في كل من البلدات، واستمعت في جلسات منفصلة إلى الشهود من أفراد العائلات، ودوّنت 938 إفادة لهم، منها 452 متعلقة بحوادث قتل، و486 متعلقة بالسلب المسلح، أو السرقة، أو حرق البيوت، والمحال التجارية، أو التعذيب.
وأوضح أن اللجنة اعتمدت في أداء مهامها على الرصد العام، والتقصي، والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات المرتكبة ضمن إطار ولايتها مكانياً في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، وزمانياً للنظر في أحداث مطلع مارس/ آذار وما يليها، وموضوعياً للبحث في الظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الأحداث، وللتحقيق في الانتهاكات التي تعرّض لها المدنيون، والاعتداءات على المؤسسات الحكومية ورجال الأمن والجيش، وتحديد المسؤولين عن كل منها، وإحالة من يثبت تورطهم على القضاء، وقال: "اللجنة بنت استنتاجاتها على الشبهة وليس على الدليل القاطع الذي يكون عادة في المحاكم، وأنها في سبيل عدم الإضرار لم تظهر أسماء المشتبه فيهم، وقد نظمت أسماءهم في جداول ملحقة بالتقرير، وأنها تكتمت على أسماء بعض الشهود الذين يخشون من كشف أسمائهم الصريحة".
وقال الفرحان: "في السادس من مارس الماضي، نفذ الفلول سلسلة عمليات عدائية واسعة، استهدفوا فيها بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة مقرات الجيش والأمن العام، والحواجز والدوريات التابعة لها، وقطعوا الطرقات الرئيسية، وقتلوا حسبما توصلت إليه اللجنة 238 شاباً من عناصر الأمن والجيش في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة". وتابع: "بعضهم قُتل بعدما ألقى سلاحه نتيجة لمفاوضات جرت بوساطة الوجهاء، وبعضهم قُتل وهو جريح يتلقى العلاج، وبعضهم قُتل وهو أسير، ودفن الفلول بعضهم في مقبرة جماعية، واستهدفوا الطرق العامة والمستشفيات، وأخرجوا ستة منها عن الخدمة، وقتلوا عدداً من المدنيين السنّة وفقاً لمعلومات تبلغتها اللجنة، ولم تتمكن من تدوين بياناتهم وفقاً لمعاييرها".
وأضاف: "من خلال إفادات الشهود من عائلات الضحايا، وأهالي المنطقة، والموظفين الحكوميين، ومحاضر استجواب الموقوفين، وبفحص الأدلة الرقمية وقرائن وأدلة أخرى، توصلت اللجنة إلى أسماء 265 من المتهمين المحتملين المنضمين إلى مجموعات المسلحين المتمردين الخارجين عن القانون المرتبطين بنظام الأسد والشائعة تسميتهم بـ(الفلول) وممن توفرت لدى اللجنة أسباب معقولة للاشتباه بتورطهم في جرائم وانتهاكات جسيمة".
وأوضح أنه "خلال ذلك، وبعده، سيطر الفلول بشكل كامل أو جزئي على المدن والبلدات والقرى والطرقات، وأطبقوا الحصار على باقي المقرات الحكومية، بهدف فصل الساحل عن سورية وإقامة دولة علوية، بتخطيط وتمويل وإعداد وتنفيذ من قبل مجموعات مدرّبة، مترابطة ضمن هيكلية شاقولية وأفقية وفقاً لتحقيقات اللجنة".
ولفت إلى أنه تحركت عقب ذلك القوات الحكومية والفصائل وقوات عسكرية أخرى، واندفعت بشكل عشوائي مجاميع الفزعات الشعبية، ومجموعات أخرى، فازدحم الطريق الدولي بما يزيد على مئتي ألف مسلح يتحركون باتجاه مناطق سيطرة الفلول لاستعادتها. وبحسب تأكيده، فإنه فجر يوم الجمعة الواقع في السابع من مارس، ومن بعض القرى المرتفعة والمطلة على الطريق، استهدف الفلول بأسلحتهم الرتل العسكري وقوافل الفزعات وسيارات المدنيين المارة، فقضى إثر ذلك عدد من العسكريين والمدنيين، الأمر الذي تسبب في مزيد من العشوائية، فاضطرت القوات الحكومية إلى تشكيل مجموعة لفتح الطريق في محاولة للحد من العشوائية.
وفي صباح اليوم نفسه، قال الفرحان إن مجموعات مسلحة بدأت دخول أحياء عدد من القرى والبلدات وبيوتها، وتعرّض الأهالي لحملات تفتيش متتالية منضبطة في بعضها، وعشوائية منفلتة في بعضها الآخر. وأضاف: "وفيما لاحظت اللجنة ارتياحاً غالباً لدى الأهالي تجاه سلوك عناصر الأمن العام، تحققت من انتهاكات جسيمة واسعة تعرض لها المدنيون أيام 7، 8 و9 مارس الماضي".
"انتهاكات غير منظمة"
وأوضح الفرحان أنه في 8 و9 مارس، كانت تسود حالة من العشوائية ومحدودية السيطرة، وربما انعدامها، وانشغال العناصر الحكومية بإجراءات أخرى لتأمين مناطق أخرى، ولم تكن هناك قدرة كافية لتغطية كل هذه المناطق الواسعة، ولفت إلى أنّ "الاندفاعات الشعبية والعاطفية خلطت الأمور، وعندما نتحدث عن هذه الانتهاكات، فهي متشعبة بهوية الفاعلين، إذ إنّ بعضهم من الجهات المحلية، ومن أبناء المناطق المجاورة الذين تعرضوا لانتهاكات سابقة، وبعضهم ممن استغل الوضع وأراد تعزيز حالة من الفوضى لارتكاب الجرائم والسرقة، وبعضهم من الفصائل التي خالفت التعليمات".
وقال: "ما نجزم به، هو أنّ التعليمات والسياسات الحكومية كانت واضحة باتجاه حماية المدنيين، لدرجة أننا دونّا في محضر استجواب أحد القادة في المنطقة بأنه تلقى أمراً مباشراً من رئيس الدفاع ثم رئيس الجمهورية بالانسحاب وهو في معركة مع الفلول من أجل أن يعود لتلك المناطق من أجل أن يحمي المدنيين".
ولفت الفرحان إلى أنه تتواتر في إفادات الشهود أقوال حول السلوك المتباين للمجموعات وللأفراد ضمن المجموعة الواحدة، ففيما ارتكب بعضهم فظاعات مروعة، تعامل بعضهم باحترام، الأمر الذي يدعو مع أسباب أخرى معقولة، اللجنة إلى الاعتقاد أن الانتهاكات رغم أنها واسعة لم تكن منظمة، مشيراً إلى أن اللجنة بحثت في أسباب تعرّض هذه القرى للانتهاكات المروعة التي شهدتها، في مقارنة بمناطق أخرى يسكنها العلويون السوريون، ولم تتعرض لانتهاكات، ولاحظت أن القرى المستهدفة تطل في معظمها على الطريق الدولي، كذلك لاحظت في بعض شهادات عائلات الضحايا أن الفلول استخدموا هذه المناطق لاستهداف العناصر الحكومية.
وأشار إلى أن اللجنة ركزت في تحقيقاتها على تقصي هوية الفاعلين وخلفيتهم، بوسائل متعددة، منها سؤال العائلات، والاستماع إلى مئات الشهادات من ذوي الضحايا، وباستجابة وزارة الدفاع إلى طلب اللجنة في التعرف إلى الأشخاص في الصور والفيديوهات المحددة من قبلها، توصلت إلى معرفة 298 شخصاً بأسمائهم الصريحة من المشتبه في تورطهم في انتهاكات، وهذا الرقم يبقى أولياً. وتابع: "من خلال فحص الأدلة الرقمية، وبمساعدة مميزة من وزارة الدفاع، توصلت اللجنة إلى تحديد أفراد ومجموعات يرتبطون ببعض المجاميع والفصائل العسكرية من مجمل القوات المشاركة، وترجح اللجنة أن هؤلاء الأفراد والمجموعات خالفوا الأوامر العسكرية، ويُشتبه في ارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين".
من جانبه، أوصى رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري، القاضي جمعة العنزي، بمتابعة السلطات المختصة الإجراءات اللازمة للكشف عن الأفراد والمجموعات المشتبه في تورطهم بانتهاكات، وفقاً لما توصلت إليه اللجنة في تحقيقاتها، كما بالتعجيل في تنفيذ خطة وزارة الدفاع، وإجراءاتها، وتدابيرها في مشاريع ضبط السلاح، ودمج الفصائل بشكل فعلي، مع التنفيذ الصارم للائحة قواعد السلوك الصادرة عنها بتاريخ 30 مايو 2025، وإصدار باقي الأنظمة واللوائح والتعليمات، بما في ذلك تنظيم الزي العسكري والشارات ومنع بيعها في الأسواق.
وأوصت اللجنة، وفق العنزي كذلك، بإطلاق برامج جبر الضرر للضحايا وفق الأصول القانونية، وإيلاء الأولوية لمشاريع حوكمة مؤسسات الأمن والشرطة والجيش، واستقدام المعدات ووسائل التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز السبل والمعايير لاحترام حقوق الإنسان، وحقوق موظفي الدولة وسلامتهم، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، كذلك أوصت بإعادة النظر في قرارات تسريح الموظفين الصادرة في الفترات السابقة، ومراجعة حالات التعيينات المخالفة للقانون بشكل يوازن بين مقتضيات إنهاء المخالفات ومراعاة أثر ذلك على العائلات.
وتابع العنزي: "أوصت اللجنة بالمضي بشكل عاجل وفاعل وملموس في تدابير العدالة الانتقالية، وملاحقة المتورطين الفارين من العدالة من قيادات نظام الأسد وعناصره، بوصفهم خطراً على مجتمعاتهم. وتوصي اللجنة بمواءمة القوانين الوطنية والنظام القضائي الموروث من العهد البائد مع الاتفاقيات الدولية المصدّق عليها، عملاً بنص الإعلان الدستوري، والتوقيع على اتفاقية منع الاختفاء القسري".
وفي تعليقه على تقرير اللجنة قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لـ"العربي الجديد" إن "لجنة التحقيق في أحداث الساحل جهودهم مشكورة بدايةً، وجهود جيّدة وهي أول تجربة وخبرة وطنية. ولدينا ملاحظات حول تشكيلها وتحدثنا عنها سابقاً، لم أحصل على نسخة من التقرير لكن سمعت المؤتمر والمخرجات، وأعتقد أنهم قاموا بعمل جيّد ومعايير معقولة وجيّدة"، واعتبر أن نتائج التقرير لم تضف جديداً إلى ما وثقته الشبكة سابقاً، مضيفاً: "نحن أعلنا عن 125 شخصاً قُتلوا، وبعدها وثقنا أكثر وصعدنا الحصيلة إلى حدود 1500 في الساحل، و400 من الأمن والفلول. الأعداد التي كانت تتحدث عن آلاف كانت مبالغات وتضخيمات، وكذلك ما يحدث في السويداء الآن من تضخيم مشابه من جهات لا تملك المعايير في التوثيق".
وأوضح عبد الغني أن "بعض الجهات الإعلامية تدّعي التوثيق دون معايير، وثبت أن الإحصائيات مغلوطة وتخدم أجندات معينة"، معتبراً أن "توصيات التقرير جيدة ومنصفة، رغم التحديات التي واجهت اللجنة"، مضيفاً: "لديّ بعض النقد، الانتهاكات بدأت بين 6 و10 من الشهر، والمفروض أن تكون ولاية اللجنة حتى نهاية آذار. اللجنة أتمت العمل والكرة في ملعب السلطات السورية، والنائب العام يجب أن يعتقل منفذي الانتهاكات"، وشدد عبد الغني على أنه "ثبت أن الأمن والجيش ارتكبوا انتهاكات ونتمنى ألّا تتكرر، ويجب كشف الحقيقة وتحقيق العدالة وفق معايير دولية، بما في ذلك إصلاح المحكمة الدستورية العليا، وتعويض الضحايا، وهذا يرسل رسالة للسويداء... نحن بحاجة للجنة تحقيق وطنية أيضاً في السويداء".
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك