بعد ثلاثة أعوام من العمليات الغامضة والاستهداف المستمر للقوات الجوية، من داخلها وخارجها، يبدو أن ثمة صدفة قادت لاكتشاف أفراد من منتسبي القوات الجوية، ضبطوا متلبسين بأدوات جريمة، كتلك التي تفضي لتحطم طائرات في الأرض أو السماء، أو مقتل ضباط في سياراتهم أو في الطرقات.
وحتى وقت متأخر من مساء الأحد، كان محققون من شعبة الاستخبارات العسكرية في القوات الجوية يجرون تحقيقات مكثفة مع ثلاثة من منتسبي القوات الجوية ضبطوا، مساء الخميس الماضي، متلبسين بمحاولة زرع عبوات ناسفة ومتفجرات حول سكن طيارين ومهندسين في قاعدة الديلمي الجوية بصنعاء.
وقال ضابط رفيع في القوات الجوية، ومطلع على سير إجراءات التحقيق لـ"المصدر أونلاين"، إن التحقيقات جارية مع ثلاثة أفراد من منتسبي القوات الجوية ضبطوا وبحوزتهم عبوات ناسفة ومتفجرات، مساء الخميس، بعد أكثر من ساعتين على الهجوم على مبنى السجن المركزي بصنعاء، لكنه رفض الربط بين الحادثين حتى يتضح عكس ذلك.
وأشار الضابط إلى وجود حريق بين الأشجار عند الثامنة مساءً قبل اكتشاف المجموعة بساعة تقريباً، مرجحاً أنها كانت محاولة مفتعلة لإلهاء الخدمة والحراسة والشرطة الجوية عما يقومون به.
وقال طيار في اللواء السادس، وهو أحد ألوية الطيران المنضوية في إطار قاعدة الديلمي، إن المذكورين ضبطوا وهم يقومون بزرع عبوات "تي إن تي" ومتفجرات أخرى حول سكن الطيارين والمهندسين والفنيين العاملين في القاعدة.
وأكد أن السكن يضم جناحاً مخصصاً كاستراحة لقائد القوات الجوية السابق محمد صالح الأحمر، وهي حالياً غرفة طوارئ تعرف بـ"الدار الحمراء".
وعلم "المصدر أونلاين" أن المسؤول عن زنزانة الأفراد هو من كشف الأفراد الثلاثة، وهم يقومون بتحركات مشبوهة، وعمل حفر جوار سكن الطيارين، فقام باستدعاء الشرطة الجوية على الفور، وتم ضبطهم وبحوزتهم عبوات ناسفة، وأسلاك كهربائية.
وقال الطيار إن الشرطة الجوية عثرت على عبوتين ناسفتين مُعدتين للتفجير، مرجحاً أن تكون تلك العبوات خاصة لزرعها في طائرات سوخواي 22، خصوصاً أن أحد المضبوطين يعمل في صيانة إحداها.
وحصل "المصدر أونلاين" من ضابط مطلع على التحقيقات على أسماء الثلاثة المحتجزين على ذمة القضية، الأول هو "ح.ج" يعمل فنياً متخصصاً في صيانة كرسي طائرات السوخواي وملحقاته في السرب التاسع باللواء السادس طيران، وقريب آخر له لم يكمل دراسته في المعهد الفني، ويعمل فنياً كهربائياً (ع+إ.ج)، وشخص ثالث وهو فني "ر. ص".
وقال طيار على طائرات السوخواي إن المتهم الأول "ح. ج" سبق أن ضبط قبل حوالي شهرين بينما كان يحاول التسلل من الشبك إلى جوار طائرتين أميركيتين تم إهداؤهما مؤخراً إلى الحكومة اليمنية (طائرة الكاسا خاصة بالنقل والإمداد، وطائرة سيسنا خاصة بالاستطلاع والإخلاء)، من بين عشر طائرات أميركية أقر البنتاجون العام الماضي دعم الحكومة اليمنية بها، وتصل على دُفعات.
وأشار إلى أنه تم الإفراج عن الرجل بعد أن تم التحقيق معه.
الاختراق.. القاتل المستمر:
ليست المرة الأولى التي يكشف فيها اختراق للإجراءات الأمنية في القوات الجوية اليمنية، التي ما تفتأ تشدد الإجراءات بعد كل عملية اختراق، لتفتر عنها بعد فترة وجيزة..
وبدءاً من الأحدث، في نوفمبر الماضي، تمكن مجهول كالعادة من الدخول إلى هناجر طائرات سواخواي، وأقدم على إحداث قطع عرضي في الإطار الأمامي لطائرة سوخواي 22 برقم جانبي رقم 420، بواسطة منشار، إلى مستوى ما قبل الوصول إلى التجويف الحاوي للهواء.
ولولا أن تم اكتشاف الأمر قبل تنفيذ طلعة جوية بالطائرة لكانت قد أُضيفت إلى رصيد الجوية المهلك بالحوادث مجهولة السبب والفاعل. يقول طيار كان القطع كفيلاً بتحطيم الطائرة، إذ وبمجرد تبدأ الطائرة بعملية التسارع تمهيداً للإقلاع سينفجر الإطار وتتحطم الطائرة لا محالة، وإن نجت بمعجزة من التحطم لحظة الإقلاع فلن تنجو منه قطعياً مع وطأة الهبوط. في الأسبوع ذاته أيضاً، كان هناك محاولة لإعطاب طائرة أخرى..
دخل أحدهم، وهو في هذه الحالة فني متخصص بلا شك، إلى هناجر الطائرات وصعد فوق إحداها وقام بتحرير طلقات قذف فنار قمرة القيادة (الغطاء الزجاجي لقمرة الطيار)، وبمجرد تشغيل الطائرة، ويقوم المهندس بإزالة مسامير الأمان سيُقذف الفنار أوتوماتيكياً، وعطب كهذا لن يؤدي لتحطم طائرة، لكنه سيوقفها نهائياً، خصوصاً أن قطع غيار الطائرة نادرة وربما لن يجدوا لها بديلاً حتى في روسيا (الفنار لا يقذف إلا في حالة ما قام الطيار بنفسه، بعد إدراكه أن الطائرة ستسقط لا محالة، بسحب طلقات القذف التي تحرر الفنار وتقذفه أولاً، ثم تقذف بالطيار على كرسيه إلى الأعلى، ثم ينفصل الطيار عن الكرسي، وينزل كل منهما بمظلة خاصة).
يؤكد طيار في اللواء السادس، كان يتحدث إلى "المصدر أونلاين" بالهاتف مساء أمس، أن قيادة الجوية وعدتهم في حينه أن يتم تركيب كاميرات مراقبة خصوصاً بعد أن فشلوا في تحديد هوية الفاعل لكن حتى الآن، وحتى اللحظة، لم يتم تركيب أي من هذه الكاميرات المتوفرة في البقالات، كما هي متوفرة في المساكن الخاصة بالقيادات.
وفي عام 2011، تمكن مجهولون من دخول هناجر الطائرات في عهد قائدها السابق محمد صالح الأحمر وقاموا بزرع عبوات ناسفة، انفجرت في خمس طائرات سوخواي وانتينوف ومروحية مي 17، وأدت إلى تحطم ثلاث منها، ولازالت اثنتان قيد الترميم حتى اللحظة - بحسب طيارين.
وتعتمد قاعدة العند على نوبات الحراسة التابعة للشرطة الجوية لمراقبة حدود أراضيها بإمكانيات متواضعة تعتمد على الرؤية المباشرة وتكتفي بمراقبة التدخل البشري، بيد أنها تفشل في ذلك.
وفي السادس من أكتوبر 2012، أعلن محافظ لحج أحمد عبد الله المجيدي أن الشرطة الجوية في قاعدة العند أحبطت عملية إرهابية كانت تستهدف القاعدة.
وقال المجيدي ل"26 سبتمبر نت" إنه تم ضبط سيارة مفخخة "نوع هيلوكس" تابعة لتنظيم القاعدة، كانت معدة لمهاجمة قاعدة العند، عُثر على متنها على كمية كبيرة من المتفجرات وأسطوانات غاز، بالإضافة إلى صواريخ "لو" وملابس نسائية وملابس طيارين للتمويه وخمس قطع سلاح.
وقال لـ"المصدر أونلاين" ضابط في العند إن السيارة قديمة موديل 79، كانت تحاول المرور من جهة الأرض الزراعية، وتجاوزت نوبات الحراسة ودخلت في حدود القاعدة، لكنها واجهت عوائق طبيعية، أو خللاً فنياً، وتعثرت في طريقها (غرزت)، وبعد إدراك من كانوا عليها من عدم قدرتهم على النفاذ إلى القاعدة الجوية تركوها وفروا قبل أن يكتشفها المزارعون في الأراضي المجاورة ويبلغوا الشرطة الجوية بعد فترة وجيزة.
الماضي 2013، قُتل ثلاثة طيارين مدربين عند أحد المطبات في الشارع العام بالحوطة، بينما كانوا متوجهين إلى مقر عملهم في اللواء 39 تدريبي.
ومطلع مايو 2013، تعرضت صهاريج الوقود في العند للحريق دون أن تكشف أسبابه وملابساته، بعدها تمت إقالة قائد فرع الشرطة الجوية بالعند وبعض معاونيه على ذمة القضية.
وفي أواخر أغسطس من العام الماضي، قُتل ضابط في القوات الجوية وجرح 28 آخرون بانفجار عبوة ناسفة زُرعت بحافلة نقل تابعة للقوات الجوية في شارع الستين الشمالي بصنعاء، وعزا حينها مدير المركز الإعلامي للقوات الجوية مهدي العيدروس السبب إلى اختراق أمني.
طيارون يجزمون: طائرة الخمسين سقطت بعبوة ناسفة
وطالب طياران في اللواء السادس، في اتصال مع "المصدر"، رئيس الجمهورية وقيادة القوات الجوية بإعادة فتح التحقيق في سقوط الطائرات السابقة، خصوصاً الثلاث الأخيرة منها التي سقطت فوق صنعاء (طائرتا سوخواي 22 سقطتا في الزراعة والخمسين، وطائرة انتينوف في الحصبة)، إضافة إلى طائرة ميج 21 تدريبية تحطمت في مطار العند عند محاولتها الإقلاع. ويشكك طيارون في جدية التحقيق بملابساتها.
وقال أحد الطيارين لـ"المصدر أونلاين" "بالنسبة للطائرة التي تحطمت في شارع الخمسين فقد بات مؤكداً لدينا بشكل أقرب إلى الجزم أنها تحطمت بعبوة ناسفة زُرعت في كرسي الطيار"، نافياً بالمطلق فرضية تعرضها لإطلاق نار من الخارج.
وأكد أن القطعة التي وجدت في مكان الحادث، وعليها ثقوب، لم تكن لأعيرة نارية من رشاشات بالمطلق، وثمة روايتان حولها: إما أنها ليست من جسم الطائرة أو أنها ناجمة عن انفصال أجزاء من الطائرة عن بعضها، وتلك الثقوب ناجمة عن مسامير الكبس (الريبيلت)، ولم يتم اثبات انها من الطائرة.
وأضاف "دعنا نحسبها علمياً: الطيار بدأ بدخول منظومة الهبوط من المسافة البعيدة (يتم الدخول فيها والنزول من ارتفاع 4 كم، وهي سرعة انزال العجلات والقلابات، ومسافة 40 كيلومتراً، في حالة الظروف الجوية السيئة أو تراكم السحب)، وتحطمت الطائرة على بُعد 31 كيلومتراً من رأس المدرج، وبدأت تتهاوى من ارتفاع 1500 متر".
وأشار الطيار إلى أنه لو تم الانسياق وراء فرضية تعرضتالطائرة لإطلاق نار وفي قطعة واحدة وبثقوب متقاربة، فذلك يعني أنها أمطرت مطراً بالرصاص، من رشاش 23 مضاد للطيران، وذلك كافٍ لعمل ثقوب، لكنه لا يعني بالضرورة أن يفضي لإسقاطها من ذلك الارتفاع إلا إذا أصاب أماكن حساسة في الطائرة كخزانات الوقود.
وأضح أن العديد من الطائرات تعرضت لإطلاق نار بعضها نجت وعادت إلى قاعدتها بسلام دون أن تتضرر أو تتأثر، كما حصل مع بعض الطائرات في العند خلال فترة الحرب في أبين، وكانت الطائرات تعود سليمة. كما أن النقيب طيار توفيق الظبري نجا من تحطم طائرة سوخواي 22 عام 2011 في أرحب بعد أن تعرضت لإطلاق صاروخ حراري "استريلا" مضاد للطيران، وتمكن من القفز من الطائرة باستخدام الكرسي القاذف.
وأكد الطيار أن "فرضية التدخل الخارجي باتت في مؤكدة في تفجير الطائرة التي ذهب ضحيتها الطيار هاني الأغبري، ما لم يكن هناك معلومات قطعية تثبت عكس ذلك، أو تتغلب في شواهدها على ما بتنا مقتنعين به من خلال تحرياتنا الخاصة، خصوصاً أن الطيار لم يبلغ بخلل فني أو تعرذضه لإطلاق نار، وبدأ مرحلة الهبوط، وانقطع الاتصال بعدها".
وقال إنه وزملاءه لا يتهمون المضبوطين بمحاولة زرع العبوات الناسفة، الخميس، جوار سكن الطيارين، لكنهم أيضاً لا يبرئونهم، مطالباً بإجراء تحقيقات شفافة، وإن لم تعلن على الرأي العام لحساسيتها أو لمحاذير أمنية، فيجب أن يبلغ بها المعنيون من الطيارين والمهندسين والفنيين وأهالي ضحايا الطائرات السابقة.
التدخل الخارجي والصفقات الفاسدة تثير قلق الطيارين
وإذ شدد الطيار على خطورة الاختراق الأمني، نوه أن ذلك لا يعني بالضرورة أن "جميع الطائرات سقطت تبعاً لتدخل خارجي، "فبعض الطائرات وارد فيها بقوة فرضية الخلل الفني، خصوصاً تلك طائرات الصفقة الأخيرة التي أبرمت عام 2008، والتي تم إيقاف الطيران عليها مطلع الشهر الجاري".
وأقرت لجنة مشكلة من قيادة القوات الجوية، تضم مسؤولين وطيارين وفنيين، مطلع الشهر الجاري إيقاف جميع طائرات السوخواي 22 التي دخلت الخدمة في اليمن ضمن الصفقة الأخيرة المبرمة عام 2008، بسبب المشاكل الفنية في أغلبها.
كما أقرت إيقاف استقدام الطائرات المتبقية من الصفقة، والتي لم يتم تسلمها حتى الآن، من روسيا البيضاء، طبقاً لطيارين أكدوا أن أغلب طائرات الصفقة فيها أعطال قاتلة، وأن الطيران فيها يتم بالحظ لا أكثر.
وجاء القرار بعد أن تمكن عصام شحرة، وهو طيار برتبة نقيب، من السيطرة على الطائرة (تحمل الرقم الجانبي ٢٢٣١) بعد أن قامت بعمل ميلانات مفاجئة يمين يسار، وتزيد زوايا الهجوم، وهي خارج نطاق سيطرة الطيار، بينما كان في المرحله النهائية من الهبوط، وعلى ارتفاع 100 متر، غير أن شحرة تمكن من تدارك الوضع، إذ ألغى الهبوط ورفع العجلات والقلابات وقام بعمل دوره ثانية للهبوط، تمكن بعدها من الهبوط بسلام.
وأبرمت صفقة يصفها الطيارون بالمشبوهة، لشراء سرب طائرات سوخواي 22 (12 طائرة) في عهد القائد السابق للقوات الجوية محمد صالح الأحمر، عام 2007، وتم استقدام اكثر من نصفها إلى اليمن، في حين لازالت بقية طائرات السرب في روسيا.
إجراءات احترازية منفعلة .. ولا جدية
يبدو الحظ حالف الطيارين والمهندسين والأفراد أكثر من قيادة القوات والشرطة الجوية، إذ أسهمت الصدفة وحدها في كشف مخطط لقتل العديد منهم، وربما تفضي لكشف الكثير من الخيوط التي ظلت مخفية وتحمل على الفاعل المجهول والانفلات الأمني في كوارث الطائرات المتعاقبة واغتيال الطيارين والمهندسين، بقدر ما يعتمد ذلك على الجدية والشفافية في التحقيقات، وفي اتخاذ إجراءات احترازية.
وحتى مساء أمس، كان الإجراء الاحترازي الوحيد الذي وجهت به الجهات المعنية في الجوية هو منع خروج الطيارين والمهندسين من سكنهم بعد الثامنة مساءً.. كما يبدو إجراءً انفعالياً أبعد عن الديمومة والمنطقية، يبدو التفكير بشيء من قبيل كاميرات المراقبة أبعد من حدود الخيال.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك