شغلت قضية الأجيال في القصة القصيرة العراقية النقاد والقصاصين خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فهناك من وجد في القصة القصيرة التي ظهرت في الحقب الزمنية المتلاحقة تطورا طبيعيا، بسبب تأثّرها بموجات التجديد في الأدب العربي والعالمي التي برزت بقوة بعد حقبة "الأدب الكلاسيكي".
وثمّة من أصّر على تقسيم القصة على أساس الأجيال التي اقترنت بحقب زمنية، فكانت تسمية جيل الخمسينيات والستينيات وبعد ذلك جيل السبعينيات ومن ثم الثمانينيات (من القرن الماضي) لكن هذا التصنيف توقف عند ذلك الجيل، ولم تظهر تسمية واضحة للقصاصين الذين ظهروا في الساحة الأدبية العراقية خلال العقد الأول من القرن الـ21.
وفي محاولة لتوثيق إبداع القصاصين العراقيين، قدم الروائي والقاص العراقي حميد المختار لمجموعة مختارة من نتاج القصاصين العراقيين، وصدر الكتاب ببغداد مؤخرا بعنوان "مختارات من القصة العراقية الحديثة".
ويقول المختار في مقدمة الكتاب "مرّت القصة العراقية القصيرة بمخاضات عسيرة أفرزت على مدى سنوات طويلة أجيالا مختلفة، أبرزها الجيل الخمسيني والستيني والسبعيني وجيل الثمانينيات إضافة إلى الأجيال التي أتت لاحقا".
وتصدرت مختارات القصة العراقية نصوصا لقصاصين من الخمسينيات، وكان النص الأول للروائي والقاص فؤاد التكركي بعنوان "منتظرو قطار السادسة"، وقصة "العودة" لمهدي عيسى الصقر. ويتميز جيل الخمسينيات -وفقا لما يراه المختار- بامتلاكه فهما نقديا لوظيفة العمل القصصي، حيث كانت القصة لديه وسيلة من وسائل نقد الواقع بشكل مباشر وبتقنيات بسيطة.
وتضمنت المختارات قصة "إله المستنقع" للقاص محمد خضير صاحب مجموعة قصص "المملكة السوداء" التي أثارت جدلا واسعا في الساحة الأدبية العراقية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وقصة "القلعة" لمحمود جنداري، وقصة "الغاب" لموسى كريدي الذي ترك بصمة واضحة ومؤثرة في القصة القصيرة بالعراق.
وهؤلاء جميعا من جيل الستينيات. وقصص هذا الجيل -كما يقول المختار- مسكونة بهاجس النزعة التجريبية وبمؤثرات فكرية متمردة رافضة، تكشف عن تأثر واضح بالاتجاهات والمذاهب الأوروبية، كالوجودية والعبثية وأشكال القصة الفرنسية الجديدة التي قادها آلان روب غرييه وناتالي ساروت وغيرهما.
تداخل الأجيال
وبما أن إبداع القصاصين لم يتوقف، فقد تداخلت الأجيال فيما بينها على مستوى الفترة الزمنية والأشكال الفنية، ولم يتوقف كل جيل عند المحدد الزمني لجيله، كما أن الأجيال تفاعلت مع المتغيرات في فن القصة وما يطرأ على الأشكال الفنية، لذا فقد ترك صاحب "المختارات" التسميات مفتوحة ولم يضع فواصل تاريخية لهذه الأجيال.
ولا يجد قارئ هذه المختارات تحديدا لكل قاص تبعا لتقسيمات الأجيال. ونقرأ بالمختارات قصة "الكابوس" للروائي والقاص أحمد خلف صاحب رواية "الخراب الجميل" وقصصا أخرى لكل من عبد عون الروضان وحسب الله يحيى وفرج ياسين وعلي حداد وغيرهم .
وما يتصف به جيل ما بعد الستينيات، ويشمل ذلك الغالبية العظمى من القصاصين حتى الوقت الحاضر-كما ورد بالكتاب- هو مزاوجة بين الرؤية الواقعية النقدية وبين نزعة التجريب والبحث عن خصوصية .
ولم يتوقف إصدار المجاميع القصصية والنشر بالصحف والدوريات، رغم سنوات الحصار القاسية إبان تسعينيات القرن الماضي وأيام الاحتلال الأميركي منذ عام 2003 والاضطراب الأمني والفوضى بالعراق، وحتى الذين اضطروا لمغادرة البلاد من القصاصين، فقد تابعوا الكتابة والنشر بالغربة من مختلف الأجيال من الذين بقوا على قيد الحياة.
ورغم النتاج القصصي الثر بالعراق خلال العقود المنصرمة وكثرة القصاصين والقصص، الأمر الذي يجعل من الصعوبة الإحاطة الشاملة بالنصوص وأصحابها، فإن كتاب "مختارات من القصة العراقية الحديثة" يعطي صورة واضحة ووافية لأجيال القصة القصيرة بالعراق.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك