دأبت أجهزة السلطة في إيران طيلة الأعوام الماضية على الترويج لنظرية "النزاع الديمقراطي" في البلاد بين تيار "محافظ" وآخر "إصلاحي" وبينهم الجناح المعتدل، إلا أن طبيعة النظام الثيوقراطي تؤكد أن الأمر مجرد مسرحية.
ولا شك أن إطاحة وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، بمساعده للشؤون العربية والإفريقية، حسين أمير عبداللهيان، تندرج في سياق "لعبة صراع الأجنحة" التي يجيد المرشد الإيراني علي خامنئي، الإمساك بخيوطها.
وبما أن عبداللهيان يعد مقربا من الحرس الثوري، الذي يقود التيار المحافظ، وظريف ينتمي إلى المعتدلين بزعامة رئيس البلاد حسن روحاني، فإن المراقبين سارعوا إلى اعتبار أن تيار الاعتدال أحرز نقطة في هذا الصراع.
إلا أن قراءة متأنية للواقع الإيراني تشير إلى أن خطوة وزير الخارجية حظيت حتما بمباركة المرشد خامنئي، الذي لن يسمح لأي تيار باتخاذ قرار دون الرجوع إليه، فهو "ولي الفقيه" الذي يمثل السلطتين المدنية والزمنية.
فولي الفقيه يسمح للتيارات الإصلاحية والمحافظة والمعتدلة بتبادل تسجيل النقاط والأدوار بين منتصر ومهزوم، طالما أن الأمر لا يخرج عن عباءته السوداء التي تظلل كافة مؤسسات النظام العسكرية والمدنية والدينية.
ورغم أن خامنئي يعتبر مرشد التيار المحافظ الذي يلعب دور حامي "الثورة"، فإنه يرجح أحيانا كفة الجناح المعتدل، وذلك حسب الظروف المحلية والإقليمية والدولية، ولتحقيق مصالحه الخاصة المتماهية مع مصلحة النظام.
وخامنئي يسعى، من خلال رسم خريطة النزاع بين هذه التيارات، إلى تحقيق مكاسب محلية ودولية، ففي الداخل يستخدم هذه اللعبة لإلهاء الإيرانيين وتمرير اتفاقات تتعارض مع شعارات الثورة، على غرار الاتفاق النووي.
ويلجأ أيضا إلى "لعبة صراع الأجنحة" لوأد أي حركة معارضة جدية تهدد النظام القائم منذ 1979، وفي حال شعر بمحاولة تمرد أحد التيارات يسارع إلى ضربها بالنار والحديد كما فعل عام 2009 حين قمع "الثورة الخضراء".
وبعد أن قمع جهاز الباسيج المظاهرات السلمية التي اعتبرت أن أحمدي نجاد فاز بولاية ثانية بتزوير الانتخابات، أقدم على وضع من باتوا يعرفون بقادة التيار الإصلاحي، مهدي كروبي ومير حسين موسوي، في الإقامة الجبرية.
أما على الصعيد الخارجي، فهو يحاول إيهام الغرب بوجود حراك ديمقراطي في البلاد، ونزاع بين تيار ليبرالي يمثله المحافظون والمعتدلون، وجناح متشدد رموزه صقور الحرس الثوري وفيلق القدس، على غرار قاسم سليماني.
والرابح الأكبر في صراع "المعتدلين" و"الإصلاحيين" و"المحافظين" هو حتما المرشد الإيراني الذي يملك الكلمة الفصل في المشروع الفارسي، الرامي للتوسع عبر نشر الفوضى في الدول العربية ودعم الميليشيات الإرهابية.
ويبدو أن بعض القوى الكبرى ووسائل الإعلام الغربية والعربية ووكالات الأنباء العالمية استهوتها لعبة خامنئي، "صراع التيارات"، وأكملت مهمة أجهزة نظام طهران في التسويق لها، لتنفيذ أهداف مشبوهة أو عن جهل مبين.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك