الكاتب الصحفي - عارف أبو حاتم
لعل أحد أهم الأسباب التي دفعت علي عبد الله صالح لتوقيع اتفاق ينص على تقاسم المجلس السياسي المعلن مناصفة مع الحوثيين هو بحثه عن موطئ قدم له ولحزبه أمام يد الحوثي الجارفة لكل شيء.
وسأكرر هنا ما سبق أن حذرت منه من تجريف لمؤسسات الدولة وتحويلها إلى ميسلشيات بيد الحوثيين، ولابد من الإشارة إلى ما حدث في الأسبوع الأخير من رمضان حيث تم "تحويث" الوظائف العليا في السلك العسكري والأمني والمدني والقضائي على حساب حضور كوادر المؤتمر (حزب صالح).
كان المجلس السياسي حلا أمثل لغريقين كلٌ في وحله؛ الجماعة الحوثية تريد لها شريكا يناصفها تحمل المسئولية القانونية والأخلاقية لانهيار البلاد على مختلف الصعد، وفي مقدمتها الانهيار الاقتصادي وانحدار العملة الوطنية إلى أسوء مستوياتها منذ نصف قرن، وصالح يبحث له عن دعامة سياسية تعيده وتعيد حزبه إلى الواجهة بعد أن خسر كل شيء.
نص الاتفاق على تشكيل مجلس سياسي لإدارة اليمن مكون من عشرة أشخاص بالتناصف بين المؤتمر والحوثيين (أنصار الله) وتكون رئاسته دورية بين الأعضاء دون أن يتم التطرق لتفريعات عمل هذا المجلس؛ لأن لكل طرف حساباته وحساسياته.
قوة الحوثيين السياسية تتمثل باللجنة الثورية وهي أداتهم في الداخل؛ لذا لم ينص الاتفاق على حلها وإحلال المجلس السياسي مكانها، وقوة صالح تتمثل في البرلمان الشرعي الذي يمتلك حزب صالح أكثر من ثلثي مقاعده، لذا لم يتم التطرق لعودته في الاتفاق، وكأن كل طرف أراد أن ينتزع مخالب الآخر رغم توحدهما في محاربة الشعب اليمني وهدم دولته.
اكتفى الحوثيون بعدم ذكر لجنتهم الثورية، واكتفى صالح بكلمة "وفقا للدستور" وكل سيعود حاملا النص ليؤوله كيفما يتمناه، هم سيقولون لا حل للجنة الثورية، وصالح سيقول لا لجان ثورية في الدستور اليمني.
وما يؤكد مخاوف كل طرف من الآخر هو عدم وصف المجلس بالرئاسي أو العسكري، والاكتفاء باعتباره مجلسا سياسيا لإدارة البلاد في كل المجالات، ومواجهة ما يعتبرونه "عدوانا" من الحكومة الشرعية وحلفائها في التحالف العربي.
أكثر ما يخيفني هنا أن يتجه الانقلابيون إلى تشكيل حكومة تضاف لها مكونات أخرى كالمرأة والشباب والمنظمات المدنية وتحصل على اعتراف مبدئي من إيران وسوريا، ومع طول المشاورات برعاية الأمم المتحدة ننزلق الأمور نحو الخيار الليبي، أعني وجود حكومتين وشرعيتين ومجتمع دولي منقسم حول شرعية دستورية في الخارج وشرعية أمر واقع في الداخل، وبالتالي لن يكون أمامنا غير حل يتضمن حكومة وطنية واحدة وبالمناصفة!
كلما تأخر الحسم العسكري أو السياسي تزداد المخاوف على وطن وأجيال لن تجد لها مستقبلا.. ويضاعف تلك المخاوف غياب الشرعية عن تراب وطنها منذ 18 شهرا.. لا أريد أن امتدح العدم وأفرش الورد أمام الرياح، لغة الإنشاءات السياسية لن يعود لها مكان أمام النصال، والقذائف لا تطرق الأبواب بل تكسر الجدران.
لابد من خطوة عملية تقابل خطوة الانقلابيين العملية، ولن تكون هناك خطوة أفضل من عودة كامل قيادة الشرعية إلى الداخل اليمني، ومن الأراضي المحررة تعلن ساعة الصفر، وتنطلق نحو التحرير، فقد أصبح الخيار العسكري هو الأقل كلفة مقارنة بما سنخسره مستقبلا من هذه الجولات الحربية والسياسية.
انتظار الموقف الدولي هو الآخر أمر قاتل ومرهق ولا يمكن التعويل عليه لأنه موقف متواطئ مع الانقلابيين، وهذا أمر واضح من بيان الخارجية الأميركية التي اكتفت بالقول إن المجلس السياسي للانقلابيين "يحيد عن جوهر المفاوضات" دون أن تدعوهم لإلغائه والتوقف عن عرقلة مشاورات الكويت، وهو موقف مشابه لموقف الاتحاد الأوروبي.
المجتمع الغربي في اليمن له مشروعه وله مصالحه، ويرى أن ما يجري حتى اللحظة يصب في صميم مصالحه وبالتالي لا تهمه شرعية من عدمها، بل يهمه تسويف الوقت واستنزاف التحالف العربي، حتى ينتهي المشروع الإيراني الأميركي من تثبيت أقدامه على الأرض اليمنية، وشرعنة كل خطوة قام بها.
قبل أن يغادر الوفد الحكومي مشاورات الكويت تمكن من حشر الانقلابيين والمتواطئين معهم في أكثر الزوايا حرجا من خلال موافقته على رؤية الأمم المتحدة للحل التي قدمها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مما عقد الحل في نظر الانقلابيين وجعلهم بين خيارين إما تنفيذ القرار 2216 سياسيا بالتوقيع على الرؤية كحل سياسي سلمي، أو تنفيذ القرار الأممي بشكله العسكري لأنه صدر تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة العسكرية.
يتحجج الجانب الانقلابي بأن الرؤية عسيرة التنفيذ على الأرض، غير أن رفضهم في الأساس يكمن في وقوف الرؤية الأممية في مواجهة صلفهم العسكري العنيف، وتكسير أنف خياراتهم المتعالية والمسنودة إلى خيارات القوة العسكرية، فالرؤية دعت إلى إلغاء اللجنة الثورية العليا التي شكلها الحوثيون عقب إعلانهم حل البرلمان وإسقاط الحكومة المشكلة في 6 فبراير/شباط 2015 وكذا إلغاء المجلس السياسي المعلن مناصفة بين الحوثيين وشريكهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والانسحاب من العاصمة صنعاء ومحافظتي تعز والحديدة وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في غضون 45 يوما إلى لجنة يسميها الرئيس هادي.
ورغم اعتراض الانقلابيين على الرؤية الأممية فإنها مليئة بالثغرات أقلها أنها تُبقي محافظات عمران وذمار وريف العاصمة (محافظة صنعاء) تحت النفوذ الميليشاوي وهي المحافظات التي تحيط بالعاصمة من كل اتجاه، بمعنى أن الحكومة القادمة ستبقى تحت رحمة الحوثيين وتحت سلطتهم، وكأن المطلوب هو جر الشرعية ورموزها من خارج الوطن إلى الداخل للانقضاض عليهم دفعة واحدة.
لا يمكن للمجتمع الدولي اليوم أن يتحدث عن هيبة لهيئته الأممية ومكانة لشرعية قراراته
الدولية إذا كان مجلس الأمن قد أصدر ستة قرارات اثنان منها تحت الفصل السابع، وثلاثة بيانات رئاسية كلها ضد المتمردين الحوثيين ومع ذلك لم ينفذ شيء منها.. عليه أن يتخذ اليوم مسارا مغايرا من خلال استعادة قيمته كقوة دبلوماسية وسياسية أممية، ويرغم العصابة الانقلابية على القبول برؤيته لحل الأزمة اليمنية، وألا يلتف على تلك الرؤية بملاحق جانبية من شأنها إضعاف نصوص الرؤية أو تفتحها أمام تأويلات بلا مدى.
مثّل 31 يوليو/تموز الماضي انتصارا للدبلوماسية اليمنية، ولا أقول انتصارا للوفد الحكومي حين سلّم بالرؤية الأممية للحل، لأنه لا منتصر فيها غير الوطن المنكوب والشعب الموزع بين القذائف والمنافي، ومع ذلك تصاب الجماعة الحوثية بحالة فزع من كل اتفاق يدعوها لتسليم السلاح للدولة لأنها ترى في ثقل السلاح ثقل لها سياسيا وشعبيا، ولا مكانة لها أو حاضنة خارج حدود السلاح.
الوقت ينفد والجانب الحكومي وافق على التوقيع الفوري على رؤية الأمم المتحدة للحل إذا وقع الطرف الآخر قبل نهاية الأسبوع الإضافي من مشاورات الكويت في 7 أغسطس/آب الجاري.