لم تكن الإفادة التي تقدّم بها المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، خلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي يوم الإثنين الماضي، اعتيادية، بل جاءت في ظروف بالغة الأهمية والتعقيد بالنسبة لليمنيين، وكشفت عن الموقف الدولي حيال أبرز تطورات الأشهر الأخيرة في البلاد وما طرأ فيها من متغيّرات، فضلاً عن كشفها عن أبرز ملامح خارطة الطريق المقترحة أممياً والتي دافع عنها المبعوث الأممي، على الرغم من إعلانه أنه أُبلغ بطرق غير رسمية عن رفضها من قبل الأطراف. وحاول المبعوث الأممي إظهار أكبر قدر من التوازن بإلقاء المسؤولية على مختلف الأطراف، وهو ما لاقى انتقادات من الانقلابيين والحكومة الشرعية.
ووجّه المتحدث الرسمي باسم "أنصار الله" (الحوثيين) رئيس وفد الجماعة المفاوض، محمد عبدالسلام، انتقاداً حاداً لولد الشيخ، معتبراً أن المبعوث الأممي "تجاوز دوره كوسيط وافتقد الحياد ويقوم بدور التضليل عن الواقع"، مشيراً إلى ما وصفه بـ"حديثه الكاذب عن استهداف مكة يثبت أنه مجرد بوق إعلامي لدول العدوان"، في إشارة إلى التحالف العربي.
فيما كان مندوب اليمن الدائم لدى مجلس الأمن، خالد اليماني، قال أمام مجلس الأمن الدولي، إن "أي أفكار لا تؤدي الى وضع نهاية للانقلاب والانسحاب من كافة المدن ومؤسسات الدولة وتسليم الأسلحة والصواريخ إنما تشكل تماهياً مع المليشيات وقبولاً بمنطق الاٍرهاب"، معتبراً أن "السلام المستدام لن يتحقق بمكافاة الانقلابيين على انقلابهم وتسليمهم السلطة على طبق من ذهب، ولن يتحقق بإبقاء غالبية السلاح بيد المليشيات وإبقائها تحتل المحافظات والمدن والقرى اليمنية تحت حجة تجزئة الحل، في الوقت الذي تتم المطالبة بإنهاء الشرعية وتسليم الحكومة للانقلابيين".
وكان مجلس الأمن عقد، الاثنين الماضي، جلسة خاصة حول الوضع في اليمن، جاءت أهميتها من كونها الأولى بعد إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، للمرة الأولى منذ ما يزيد عن عام ونصف العام، عن تقديمه خطة مكتوبة تمثّل خارطة طريق لحل سلمي في البلاد. كما أنها الأولى بعد تحولات محورية كان أبرزها استهداف مجلس عزاء في صنعاء في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقبل ذلك قرار الحكومة بنقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، وما ترافق معه وفي أعقابه من أزمة اقتصادية هي الأسوأ على الإطلاق، تمثلت بعجز المؤسسات الحكومية التي يسيطر عليها الحوثيون وحلفاؤهم عن دفع رواتب الموظفين منذ أكثر من شهرين.
وسبقت الجلسة تسريبات أكدتها مصادر دبلوماسية يمنية لـ"العربي الجديد"، عن وجود مشروع قرار تقدّمت به بريطانيا إلى مجلس الأمن، يلزم الأطراف المختلفة بوقف إطلاق النار ويدعم جهود التسوية التي يقودها المبعوث الأممي. ومع ذلك، بدا مصير مشروع القرار مجهولاً، في ظل مؤشرات تفيد باستخدام التلويح به لضغوط سياسية على الأطراف المعنية، وخصوصاً على الجانب الحكومي المدعوم من التحالف العربي بقيادة السعودية.
من جانبه، حاول المبعوث الأممي، الذي يواجه بين الحين والآخر انتقادات من الطرفين، أن يُظهر أكبر قدر من التوازن. وأكد أن "تصرفات الأطراف على الأرض تخالف الالتزامات التي قدّموها مسبقاً بالانخراط الكامل وبشكل بنّاء مع مسار السلام"، كما أكد أن الهدنة التي جرى إقرارها لمدة 72 ساعة تعرضت لخروقات من الطرفين.
في الجانب العسكري والأمني، كانت حادثة استهداف "القاعة الكبرى" بغارات جوية من التحالف الشهر الماضي، في صدارة حديث المبعوث الدولي، وأشار إلى أن ما يقارب ألف شخص كانوا متواجدين في القاعة، ونتج عن القصف سقوط أكثر من 140 قتيلاً ونحو 550 جريحاً، لافتاً في السياق، إلى اعتراف التحالف بتنفيذ الضربة، وطالب بمحاسبة المسؤولين.
وفي سياق إيجاد توازن بالإدانة، ذكر المبعوث الدولي ثلاث حوادث تدين الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ومنها حادثة قصف مدنيين في تعز في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول، ما أدى إلى مقتل تسعة مدنيين، وكذلك التصعيد على الحدود السعودية وزيادة وتيرة الهجمات بالصواريخ البالستية، مشيراً إلى خطورة استهداف "مكة المكرمة"، واعتبار ذلك "تطوراً خطيراً يؤثر على مجرى الحرب ويمس مشاعر ما يزيد عن مليار ونصف مليار مسلم في العالم". أما الحدث الثالث ضد الحوثيين، فكان استهداف السفن، ومنها السفينة الإماراتية مطلع الشهر الماضي، واستهداف المدمرة الأميركية بعد ذلك بأيام.
في الجانب السياسي، شملت إفادة المبعوث الدولي مضامين عكست مواقف مهمة لأول مرة، إذ دان الخطوات الأحادية التي تعرقل مسار السلام الذي تسيره الأمم المتحدة، وذكر في السياق، قرار "المجلس السياسي" الذي شكّله الحوثيون وحزب صالح، بتكليف محافظ عدن السابق، عبدالعزيز بن حبتور، بتشكيل ما سموه "حكومة إنقاذ وطني".
وفي المقابل، وهي المرة الأولى التي يُشار فيها إلى خطوات حكومية تعرقل السلام، اعتبر المبعوث الأممي أن القرار الذي اتخذه الرئيس عبدربه منصور هادي في سبتمبر/ أيلول الماضي، بنقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، يأتي ضمن الخطوات أحادية الجانب، وأضاف إليها تصريحات رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، عن خطط لـ"اجتماع الهيئة الوطنية من أجل التصديق على مسودة الدستور". وحث ولد الشيخ "الأطراف، مرة أخرى، على الامتناع عن اتخاذ أية قرارات أحادية من شأنها أن تعرقل الخيار السلمي".
وتكمن أهمية هذه النقطة، وفقاً لآراء سياسيين ومحللين استقصتها "العربي الجديد"، بأنها عرضت الشرعية لأول مرة، كمسؤول عن خطوات أحادية، في حين أنها ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها المجتمع الدولي خطوات الحوثيين وحلفائهم "أحادية الجانب". ومن شأن تصريحات المبعوث الأممي أن تؤثر على توجّه الحكومة بنقل مقر البنك المركزي إلى عدن، بعد أن بقي في نطاق سيطرة الحوثيين.
في الجزء الخاص بـ"خارطة الطريق"، سجلت إفادة مبعوث الأمم المتحدة، العديد من النقاط بين إيضاح المواقف المحلية والدولية وتحديد أبرز مضامين الخارطة، والكشف عن تحركات الفترة المقبلة. وكان لافتاً أن ولد الشيخ لم يشر إلى الرفض المعلن من الحكومة للخطة التي قدّمها، وعوضاً عن ذلك، حاول الالتفاف بعبارة دبلوماسية بالقول إنه أُبلغ بطرق غير رسمية أن الأطراف رفضت الخارطة، الأمر الذي فُسر بأحد احتمالين: الأول، أن يكون تصريح ولد الشيخ مبنياً على تفاهمات غير معلنة مع الجانب الحكومي سبقت الجلسة، والآخر، هو اللجوء إلى "تعميم الرفض" على الطرفين، لتجنّب ما يجعلها تُرضي طرفاً دون آخر، فضلاً عن أن الملاحظات التي قدمها وفد الانقلابيين كانت ترقى إلى درجة الرفض، لكنها استدركت بالقول إنها ممكنة كـ"أرضية للنقاش".
وتضمنت الإفادة إشارة إلى أبرز ملامح الخارطة، بالقول إنها "تتماشى مع قرار مجلس الأمن 2216 والقرارات ذات الصلة، ومبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني" (يتفق مع مطلب الحكومة). وكذلك "تشمل خارطة الطريق سلسلة إجراءات أمنية وسياسية متسلسلة ومتوازية من شأنها أن تساعد على إعادة اليمن للسلام وللانتقال السياسي المنظم". وترتكز "على إنشاء لجان عسكرية وأمنية تشرف على الانسحابات وتسليم الأسلحة في صنعاء والحديدة وتعز، كما ستعنى هذه اللجان بمهمة ضمان إنهاء العنف العسكري والإشراف على سلامة وأمن المواطنين ومؤسسات الدولة. وفي الجانب السياسي، "تتطرق الخارطة كذلك إلى مجموعة إجراءات سياسية انتقالية تشمل مؤسسة الرئاسة بما في ذلك تعيين نائب رئيس جديد وتشكيل حكومة وفاق وطني لقيادة المرحلة الانتقالية والإشراف على استئناف الحوار السياسي وإكمال المسار الدستوري ومن ثم إجراء الانتخابات".
وفي لفتة تعكس استمرار الجهود مع الأطراف حول خارطة الطريق، على الرغم من الرفض، قال المبعوث الأممي إنه سيعود "إلى المنطقة بعد هذه الإحاطة لاستئناف المشاورات مع الأطراف في صنعاء والرياض بهدف التوصل إلى اتفاق سياسي مفصّل بناءً على خارطة الطريق".
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك