ازدهار الشر!

 
الحوثيون تجسيد لبعض المخاطر الحقيقية التي يمكن إنتاجها في هذا البلد، وهم في المجمل نتيجة طبيعية لمجتمع متخلف في أغلبه، تديره نخبة سيئة وفاسدة، ففي هذا البلد يمكن لأسوأ الدعوات الشريرة أن تزدهر، وتجد لها الكثير من الأتباع المؤمنين بها والتضحية في سبيلها. هؤلاء الذين نشاهدهم في التلفزيون بوجوه ممصوصة ومتعبة، ويمرون إلى جوارنا في شوارع عمران أو حضرموت منهكين، بأحذية ممزقة هم في الأخير يمنيون، يعتقدون أن خلاصهم الوحيد في أن يَقتلوا أو يُقتلوا.
القلق في اللحظة الراهنة يأتي من كون جماعة الحوثيين لم تجرب أو تختبر شيئاً أكثر من حمل السلاح وخوض المعارك المسلحة، ويصعب في الكثير من الأحيان تصور وجود هذه الجماعة بدون أدوات القتل التي ترافقها اينما تواجدت.
 
 في الوقت نفسه يأتي القلق ايضاً من العقلية عديمة التدبير التي تدير الدولة، الرئيس هادي تحديداً الذي كان يعتقد أن جماعة الحوثي سوف تخلصه من مزاحمة علي محسن وبيت الأحمر لسلطته في صنعاء، يكتشف اليوم أن يد هذه الجماعة تطوق عاصمته اليوم، ومضطر لإرسال الوساطات لقائدها في صعدة.
 
الشخص العادي المتضرر من أداء السلطة الحاكمة، ولديه قلق حقيقي من العنف الذي تظهره جماعة الحوثيين، يشعر بالإرباك، فهو لا يستطيع مقاومة الإغراءات التي تخلقها الدعوات المعلنة للحوثيين بمراجعة السياسات المالية للحكومة، و يرغب فعلاً في إيجاد بدائل اقتصادية للجرعة، ومحاربة الفساد أو التخفيف منه بشكل حقيقي وملموس، مثل مراجعة الكشوفات المالية للمنتسبين للأجهزة الأمنية والعسكرية التي تبتلع ربع الميزانية تقريباً (3مليارات دولار) ومراجعة الوعاء الضريبي وترشيد التصرف في المال العام، خاصة مصروفات الرئاسة التي تؤكد بعض المصادر أن متوسط انفاقها اليومي لا يقل عن مليار ريال. نظرة واحدة على مدونة الزميل محمد العبسي ويدرك القارئ السوء الذي تظهر عليه الحكومة في معالجة الملفات الاقتصادية، والفساد الذي يبتلع مليارات الريالات.
 
ثمة أوقات كثيرة يشعر فيها اليمني أنه إزاء سلطة لا يهمها المواطن العادي بقدر ما يهمها إدارة المصالح بين النخب السياسية، الأصوات التي تأتي من الشارع ومن البيوت الفقيرة والأحياء البعيدة لا أحد يسمع لها. ومن سوء الحظ أن إغراء المال العام واستغلال السلطة لم يتركا لهذا البلد معارضة حقيقية، وتفرغ الحوثيون وحدهم للقيام بهذا الدور، وعندما يجتمع رئيس الحكومة بكبار مساعديه ومستشاريه، فهو يفعل ذلك الآن لأن "الصميل" الذي يظلل مسيرات الحوثيين في صنعاء قد أثار كل مخاوفه، ولو أنه عمل منذ وقت مبكر على سماع أصوات الناس وابتكار الحلول للتخفيف من معاناتهم لما وجدت جماعة الحوثي ما تستند إليه في حشدها المسلح اليوم على أبواب صنعاء، ولما تمكنت من استغلال معاناة الناس على هذه الصورة المخيفة.

 
الخيارات الصعبة اليوم أمام المواطن اليمني محدودة جداً: الحوثيون يرفعون مطالب مشروعة وجيدة في العلن، لكنهم في الميدان يهددون حرية التعايش بين اليمنيين، ويذكون الاقتتال الطائفي بشكل بدائي ومتوحش، يقضي على آخر الآمال تجاه مستقبل جيد لهذا البلد، وهم إذا استمروا في هذا الطريق الملطخ بالدم وشعارات الصراعات التاريخية فإن المآلات الكارثية سوف تلحق بهم أولاً وبكل اليمنيين.
 
في الواقع إذا استثمر الحوثيون هذه الأزمة وضغطوا سلمياً في اتجاه تحقيق بعض الإصلاحات الاقتصادية وإحداث بعض التغييرات الإيجابية في تشكيلة الحكومة فستكون لديهم فرصة جيدة لتحقيق بعض المكاسب، على مستوى الجماعة نفسها وعلى مستوى تحسين صورتهم السيئة عند غالبية اليمنيين، شرط التخلي عن فكرة المواجهة المسلحة، والتخفيف من لهجة الاستقواء واستعداء الناس.
 
لا أستطيع تخيل السيناريوهات السوداء التي تلوح في الأفق، وهذا الحماس للمعركة الذي يظهره الأصدقاء في الفيس بوك وتويتر والمواقع الإلكترونية، قد يكون مطلوباً لمواجهة التهديدات التي تحيق بالدولة والجمهورية،لكنه لا يساعد على سد الطريق أمام رجال الحروب والشر.
 
هذا وقت استنفار الحكمة اليمنية، إن كانت ثمة حكمة لدى أصحاب القرار في هذه الأزمة، وإن لم يكن فنحن في الطريق لنيل ما نستحق من أهوال ومصائب.
 
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط https://telegram.me/alyompress


كلمات مفتاحية:


اقرأ ايضا :
< موفاز: صواريخ المقاومة أوجعت إسرائيل
< الحزب الاشتراكي اليمني يعلن مبادرة من 6 نقاط لاحتواء الأزمة بين النظام والحوثيين أسماها بـ " الحلول العاجلة"
< لهذه الأسباب يرفض الحوثيون المشاركة في حكومة وحدة وطنية !!
< مجلس الأمن يرجئ جلسته الخاصة باليمن الى 29 أغسطس
< ( فيديو) تصوير جوي يظهر حجم حشود المتظاهرين الداعمين للإصطفاف الوطني ودعم مخرجات الحوار الوطني
< ( بالفيديو) الناطق الرسمي باسم اللجنة الرئاسية للتفاوض مع الحوثيين "المخلافي" يكشف اسباب فشل الوساطة مع الحوثيين ويتهمهم بالمناورة والاستغباء
< الرئيس يجتمع باللجنة الأمنية والعسكرية العليا بعد فشل المفاوضات مع زعيم الحوثيين - وعضو اللجنة الرئاسية " حسن زيد " يكشف تعنت الحوثي

اضف تعليقك على الفيس بوك
تعليقك على الخبر

ننبه الى ان التعليقات هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا يتبناها الموقع، كما ننبه الى ان التعليقات الجارحة او المسيئة سيتم حذفها من الموقع
اسمك :
ايميلك :
الحد المسموح به للتعليق من الحروف هو 500 حرف    حرف متبقى
التعليق :
كود التحقق ادخل الحروف التي في الصورة ما تراها في الصورة: