على الرغم من نشاط الأمم المتحدة في اليمن منذ عقد من الزمان، إلا أن البلاد لا تزال من أفقر بقاع الأرض وتعيش حالة حرب داخلية حيث يسيطر الحوثيين المدعومين من إيران على أجزاء واسعه ويختطفون عمال الإغاثة، ويهاجمون بانتظام سفن الشحن عبر البحر الأحمر ويطلقون الصواريخ.
واتهم تقرير صادر عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) الأمم المتحدة بالفشل في إدارة الملف اليمني خلال العقد الماضي، مشيرًا إلى ثمانية إخفاقات رئيسية ساهمت في تعزيز نفوذ جماعة الحوثي المدعومة من إيران على حساب الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
وأوضح التقرير أن اتفاق ستوكهولم لعام 2018، الذي رعته الأمم المتحدة، أوقف تقدم القوات الحكومية وأدى إلى ترسيخ سيطرة الحوثيين على الساحل الغربي وموانئ استراتيجية مثل الحديدة، ما مكّنهم من تمويل أنشطتهم العسكرية وتهديد الملاحة الدولية.
كما انتقد آلية التفتيش الأممية (UNVIM) لفشلها في تطبيق حظر الأسلحة، واعتبر أن تمويل الأمم المتحدة ساهم في دعم واردات النفط الروسي إلى مناطق الحوثيين. وأشار إلى أن تمركز مكاتب الأمم المتحدة في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين سهّل استغلال الجماعة للمساعدات الإنسانية.
وأعتبر التقرير أن الأمم المتحدة فشلت في حماية موظفيها المحليين المختطفين، الذين تجاوز عددهم 40 موظفًا. كما اتهمها بمنح الحوثيين شرعية سياسية عبر مفاوضات غير متكافئة، دون ممارسة ضغط حقيقي عليهم.
"ومن طاولة المفاوضات إلى العمليات الميدانية، شاب جهود الأمم المتحدة ثغراتٌ وعثراتٌ ونقصٌ في الرؤية، مما أضرّ بالشعب اليمني وجيرانه الإقليميين" وفق التقرير الذي أورد الثمانية الإخفاقات كالتالي:
إتفاق ستوكهولم في الحديدة
ورأى التقرير، إن الاتفاق الحاسم الذي تم التوصل إليه بوساطة الأمم المتحدة منح الأفضلية للحوثيين على الحكومة اليمنية"، حيث أوقفت اتفاقية ستوكهولم التي توسطت فيها الأمم المتحدة عام 2018 بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا هجومًا شنته القوات اليمنية وشركاؤها لاقتلاع الحوثيين.
ومع تقدم القوات اليمنية على الساحل الغربي الذي يسيطر عليه الحوثيون، دفع أعضاء المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والولايات المتحدة، الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والقوات المتحالفة معها إلى الموافقة على وقف إطلاق النار لتجنب أزمة إنسانية.
وقد مكّنت هذه الصفقة المعيبة بطبيعتها في نهاية المطاف الحوثيين المدعومين من إيران، وعززت الاتفاقية الناتجة عن ذلك والتي توسطت فيها الأمم المتحدة، والتي تضمنت وقف إطلاق نار فوري في محافظة الحديدة، قبضة الحوثيين على هذه المنطقة الاستراتيجية.
وتضم الحديدة موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف الاستراتيجية، والتي أثرت السيطرة عليها الحوثيين، وسهلت تهريب الأسلحة، ووفرت الوصول إلى البحر الأحمر. كما مكنت السيطرة على الساحل الغربي لليمن ما يقرب من عامين من الإرهاب الحوثي ضد الشحن الدولي.
تطبيق حظر الأسلحة على الحوثيين
بدأت آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن (UNVIM) عملياتها في عام 2016 بناءً على طلب الحكومة الشرعية في اليمن لضمان الامتثال لقرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي فرض حظرًا على الأسلحة على الحوثيين والجماعات التابعة لهم.
أحد العيوب المتأصلة فيها هو اعتماد الآلية على الخضوع الطوعي للتفتيش لأنها لا تملك السلطة أو القدرة على اعتراض السفن، ووفقًا للمملكة المتحدة، كانت هناك زيادة كبيرة في السفن التي تتحايل عليها وتسلم شحنات غير مفتشة إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون في عام 2024.
كما عانت الألية التي لم تكن مجهزة جيدًا للوفاء بمهمتها منذ البداية، من مخاوف التمويل، وفي الوقت نفسه، ساعدت إيران في تطوير ترسانة الحوثيين، والتي يمكن رؤيتها في كل من الأنظمة المنشورة وتلك التي تم اعتراضها من خلال جهود خارج آلية التفتيش.
تمكين الحوثيين من السيطرة على ميناء الحديدة
كان تطبيق اتفاقية ستوكهولم من جانب واحد، لا سيما فيما يتعلق بميناء الحديدة. تأسست بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاقية الحديدة (UNMHA) للإشراف على تنفيذ اتفاقية الحديدة، وهي جزء أساسي من اتفاقية ستوكهولم.
وبموجب الاتفاقية، سيشرف طرف ثالث على الميناء، وستذهب إيراداته إلى رواتب القطاع العام في الحديدة وفي جميع أنحاء اليمن، في الواقع احتفظ الحوثيون بالسيطرة على الأرض، ومنعوا الرقابة الخارجية، ونهبوا أرباح الميناء، ووثقت لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية باليمن ما يقرب من 4 مليارات دولار من عائدات الجمارك من واردات الوقود على مدى عامين.
ولا يشمل ذلك الواردات الأخرى والرسوم غير المشروعة المختلفة، ولاحظت لجنة الأمم المتحدة "أن جزءًا كبيرًا من هذا المبلغ تم تحويله نحو أغراض عسكرية"، في الوقت الذي لا تُدفع رواتب القطاع العام من قبل الحوثيين.
وعلى الرغم من عدم امتثال الحوثيين واستغلالهم، فقد موّل المجتمع الدولي وخاصة من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إصلاحات وتحسينات على الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون.
دعم الأنشطة الخبيثة للحوثيين وروسيا
موّلت الأمم المتحدة، عن غير قصد، التهرب من العقوبات الروسية وواردات الطاقة الحوثية في المياه الخاضعة لسيطرة الجماعة الإرهابية المدعومة من إيران، حيث اشترت الأمم المتحدة ناقلة النفط الخام العملاقة "يمن" عام ٢٠٢٣ لتخزين أكثر من مليون برميل من النفط كانت على متن سفينة التخزين والتفريغ العائمة "صافر".
كانت "صافر" في حالة يرثى لها ومعرضة لخطر الغرق، وتسرب حمولتها في البحر الأحمر، والتسبب في كارثة بيئية، واستحوذت الأمم المتحدة على ناقلة النفط الخام العملاقة "يمن" مقابل ٥٥ مليون دولار من أموال المانحين بما في ذلك من الولايات المتحدة وتبلغ تكلفة صيانتها ٤٥٠ ألف دولار شهريًا.
تتواجد كلتا السفينتين بشكل دائم قبالة ساحل الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، مما يمنح الجماعة السيطرة عليهما، رغم "ملكية" الحكومة اليمنية لهما. وقد استخدم الحوثيون "يمن" لاستيراد وتخزين النفط الروسي الخاضع للعقوبات.
مقرات الأمم المتحدة بمناطق سيطرة الحوثيين
وأعتبر التقرير "أن قرار الأمم المتحدة بإنشاء مقرها في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون يصب في مصلحة الحوثيين"، لطالما قاومت الأمم المتحدة الدعوات لنقل مقرها الرئيسي من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون إلى العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية في عدن.
ومن شأن الانتقال إلى عدن أن يُسهم في مواجهة استغلال الحوثيين للمنظمات الإغاثية والإنسانية، ويُوفر حماية أفضل لموظفي الأمم المتحدة. وفي أعقاب الاختطاف الجماعي الذي قام به الحوثيون لموظفي الأمم المتحدة في أغسطس/آب، اضطرت الأمم المتحدة إلى نقل مكتب منسقها المقيم من صنعاء إلى عدن. وأعلن الأمين العام أنطونيو غوتيريش أن عدة مكاتب أخرى ستحذو حذوهم، في تغيير جاء متأخرًا جدًا لحماية عشرات المعتقلين.
وتواصل الأمم المتحدة استخدام الحديدة كميناء رئيسي لدخول المساعدات إلى جميع أنحاء اليمن، حيث يدخل 80% من المساعدات الإنسانية إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وتُموّل الرسوم التي يفرضها الحوثيون في ميناء الحديدة، بالإضافة إلى تحويل مسار المساعدات والموارد الواردة، إرهاب الجماعة. وبينما تراجعت الأمم المتحدة، تحت ضغط المانحين، عن بعض أشد مطالب الحوثيين فظاعة، فإن استمرار الاعتماد على موانئ الحوثيين يُتيح الاستغلال.
وقد رفضت الأمم المتحدة النظر بجدية في عروض الحكومة الشرعية في اليمن لاستلام المساعدات في الموانئ الجنوبية لتوزيعها في جميع أنحاء اليمن، على الرغم من الخطر الذي يُشكله الحوثيون على موظفي الأمم المتحدة ومواردها.
الفشل في مساعدة موظفيها المختطفين
احتجز الحوثيون 23 من أصل 52، أي ما يعادل 44%، من موظفي الأمم المتحدة المحتجزين حول العالم، وفقًا لبيان الأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الموظفين المعتقلين والمفقودين في 25 مارس/آذار 2025.
وأدى اختطاف الحوثيين 22 موظفًا أمميًا في نهاية أغسطس/آب إلى ارتفاع إجمالي عدد موظفي الأمم المتحدة المحتجزين لدى الحوثيين إلى أكثر من 40 موظفًا. معظم الموظفين المحتجزين هم موظفون يمنيون لا يحظون بنفس الاهتمام الذي يحظى به الموظفون الأجانب. فعلى سبيل المثال، أُطلق سراح مواطنة أردنية اختُطف خلال عمليات الاختطاف في أغسطس/آب بعد أيام قليلة، مقارنةً بالفترات الطويلة التي يقضيها الموظفون المحليون في الاحتجاز غير القانوني لدى الحوثيين.
لم تتخذ الأمم المتحدة إجراءات حازمة للضغط على الحوثيين لإعادة مواطنيها، بل تعتمد على بيانات ضعيفة، بعضها يغفل عن تسمية الحوثيين كمرتكبي هذه الجرائم.
عدم الوقوف في وجه ترهيب الحوثيين واستغلالهم للمساعدات
يسعى الحوثيون إلى الاستفادة، سواء سياسيًا أو ماليًا، من المساعدات الإنسانية في كل فرصة ممكنة، وقد سرق الحوثيون ثلث المساعدات التي ضختها الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في اليمن خلال العقد الماضي والتي بلغت قرابة 30 مليار دولار، وفقًا للحكومة اليمنية.
ويهدف الحوثيون إلى السيطرة على جميع جوانب إيصال المساعدات في أراضيهم، بدءًا من إدارة قوائم متلقي المساعدات وحتى الموافقة على الشركاء المحليين للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى. وهذا يُمكّن الجماعة الإرهابية المدعومة من إيران من تحويل المساعدات إلى نفسها وضمان وصول العمل المتعلق بتوزيع المساعدات إلى الموالين للحوثيين. ونادرًا ما تقاوم الأمم المتحدة استغلال الحوثيين لتجنب فقدان ما لديها من إمكانية الوصول إلى البلاد.
ومع ذلك، تساءل الخبراء عما إذا كان الوصول الذي يسمح به الحوثيون يستحق ثمن تمكين الحوثيين وتعريض موظفي الأمم المتحدة للخطر علاوة على ذلك، عند قياس الأثر الإنساني، تبالغ الأمم المتحدة في تقدير إيصال المساعدات إلى موقعها العام بدلاً من إيصالها إلى الأفراد المحتاجين.
العملية السياسية وإضفاء الشرعية على الحوثيين
تؤكد الأمم المتحدة على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للصراع في اليمن، ويقود هذا الجهد المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن هانز جروندبرج. ويتنقل بين الاجتماعات مع قادة الحوثيين إلى جانب شركائهم الإيرانيين في مسقط، وتلك التي تعقد مع القيادة اليمنية الشرعية في الرياض وعدن، وفقًا لما تمليه الحقائق على الأرض فهم يسيطرون على ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان اليمن.
ومع ذلك، فإن الأمم المتحدة لديها قدرة أو إرادة محدودة للضغط على الحوثيين وسجل ضعيف في عقد الصفقات في اليمن، وقد أحرز الانخراط الدبلوماسي تقدمًا ضئيلًا ويعمل على إضفاء الشرعية على الحوثيين. علاوة على ذلك، فإن نفور الأمم المتحدة وإدانتها للعمل العسكري ضد الحوثيين لن يؤدي إلا إلى إطالة قبضة الجماعة على صنعاء.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك