جاءت الأوامر الملكية التي أصدرها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، مساء السبت لتحمل ثلاثة ملامح رئيسية، الأول تصحيح مسارات الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها المملكة منذ 2015، وذلك بقرار إعادة البدلات والمكافآت والميزات المالية لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين، والتي كانت قد ألغيت أواخر 2016. والملمح الثاني بتعديلات وزارية محدودة، والتعامل مع أحد الوزراء بطريقة غير مسبوقة، من خلال إحالة وزير الخدمة المدنية خالد العرج إلى التحقيق بسبب "شبهات" فساد. أما الملمح الثالث فتضمّن أوامر بصيغة عسكرية وأمنية، أبرزها إحالة قائد القوات البرية للتقاعد، واستحداث مركز للأمن الوطني يرتبط بالديوان الملكي بصورة مباشرة، إضافة إلى تعيين اللواء أحمد عسيري نائباً لجهاز الاستخبارات الوطنية.
إعفاء ومحاسبة
شملت التغييرات الوزارية تعيين الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزيراً للطاقة، بعد أن قضى قرابة ثلاثة عقود في وزارة النفط والثروة المعدنية قبل أن يتغير اسمها إلى وزارة الطاقة. وعمل عبدالعزيز بن سلمان نائباً لوزير الطاقة منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، مع الوزير المحنك علي النعيمي.
لكن التحوّل المفاجئ في التغييرات الوزارية، كان إعفاء وزير الخدمة المدنية، أحد اللاعبين الأساسيين في رؤية 2030، خالد العرج، وتحويله إلى التحقيق بسبب "شبهات" فساد. وجاء في الأمر الملكي بخصوص العرج: "...بعد الاطلاع على ما رفعه رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وما رفعه رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، والتي تبين من خلالها ارتكاب معالي الأستاذ/ خالد بن عبدالله العرج وزير الخدمة المدنية تجاوزات بما في ذلك استغلاله للنفوذ والسلطة" صدر قرار إعفاء الوزير، وتشكيل لجنة وزارية للتحقيق معه.
وكانت قضية العرج قد شغلت السعوديين قبل أشهر، عندما تم تداول أنباء عن تعيين الوزير لأحد أبنائه في وظيفة هامة بالوزارة، وبراتب كبير، من دون أن يمتلك أي مؤهل علمي أو خبرة تؤهله للوظيفة. وجرى الحديث عن بدء تحقيق رسمي في القضية آنذاك، ظهرت نتائجه المبدئية السبت بإقالة الوزير وإحالته للمحاسبة ضمن قانون محاكمة الوزراء الصادر منذ ما يزيد عن النصف قرن.
وتضمّنت التغييرات الوزارية التي أصدرها الملك السعودي السبت، إعفاء وزير الثقافة والإعلام عادل الطريفي من منصبه. وتعرض الوزير لانتقادات واسعة منذ توليه الوزارة في 2015 على الصعيد الشعبي، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. علاوة على عزم الحكومة السعودية إنشاء هيئة عليا للثقافة، في إطار خطط 2030 وما تضمنته من تغييرات. وتم تشكيل لجنة في مارس/آذار الماضي يقع على عاتقها وضع الإطار التنظيمي للهيئة العامة للثقافة، والتي يترأسها وزير الإعلام. وتم تعيين سفير السعودية في ألمانيا، القادم من خلفية اقتصادية في صندوق الاستثمارات العامة، وإمارة الرياض، عواد بن صالح العواد، وزيراً للإعلام خلفاً للطريفي.
إعادة البدلات والمكافآت
قررت الحكومة السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي إيقاف البدلات والمكافآت المالية والعلاوات في سياق سياساتها التقشفية، وخطط التحوّل الوطني 2020 ورؤية 2030 لتنويع مصادر الدخل. وأقرت الحكومة السعودية نظام "حساب المواطن" من أجل تعويض المواطنين الأقل دخلاً، والمتوقع تضررهم من خطط التحوّل الوطني، ورفع الدعم عن الطاقة، وفرض ضرائب ورسوم متنوعة، أبرزها ضريبة القيمة المضافة.
إلا أن الأوامر الملكية التي صدرت السبت، تشير إلى محاولة الحكومة مقاربة الشأن الاقتصادي بطريقة مختلفة، بعد إظهار المؤشرات الاقتصادية تدني القوة الاستهلاكية للمواطنين بعد قرارات إلغاء البدلات والمكافآت والمزايا المالية، والتي تُمثّل في بعض الوظائف من 30 إلى 50 في المائة من الراتب الأساسي، وذلك بعد الوفرة المالية التي كفلها ارتفاع أسعار النفط بعد 2004.
وأكد وزير المالية محمد الجدعان في تصريحات لوكالة الأنباء السعودية، اليوم الأحد، أن قرار إيقاف العلاوات والمكافآت والبدلات "نصّ في إحدى فقراته على أن يتم إعادة النظر في هذا القرار وفقاً للمستجدات"، مضيفاً أنه "بعد أخذ الإصلاحات الاقتصادية طريقها الصحيح، وبعد أن بدأت تؤتي ثمارها، سواء من خلال الزيادة المتوقعة في إيرادات الدولة من خلال الإصلاحات المعلنة في برنامج التوازن المالي أو من خلال جهود الحكومة في رفع كفاءة الانفاق، رفع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، توصيته بإعادة هذه البدلات والمزايا كما كانت، وجاء الأمر بإعادة هذه المزايا تماشياً مع الأوضاع الجديدة".
وأضاف الجدعان أن الأمر الملكي "سينعكس بشكل عام وإيجابي على الاقتصاد السعودي على المدى القريب، لجهة الزيادة في حجم السيولة، وتعزيز القوة الشرائية، ودعم النشاط الاقتصادي، ويشجع البيئة الاستثمارية ويسهم في رفع ثقة القطاع الخاص، كما يؤدي هذا النشاط إلى حراك إيجابي يضع التضخم في مستويات مناسبة بعد النمو السلبي في الفترات الماضية، خصوصاً أن الحكومة حققت نجاحات في ترشيد الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي من خلال استهداف خفض قدره 80 مليار ريال في العام الماضي و17 مليار ريال في العام الحالي، كما تُظهر نتائج الربع الأول لأداء الميزانية العامة للدولة أن الإيرادات كانت أفضل مما هو متوقع، والمصروفات أقل مما هو معتمد للفترة، حيث بلغ العجز حوالي 26 ملياراً بينما المتوقع كان حوالي خمسين مليار ريال". وأكد الجدعان أن الحكومة السعودية "مستمرة في برنامج الإصلاح الاقتصادي وستكثف جهودها الرامية إلى تحقيق برنامج التوازن المالي والخصخصة، وزيادة الإيرادات غير النفطية في إطار أهداف الرؤية الطموحة للمملكة 2030".
تعيينات عسكرية وأمنية
وتضمنت الأوامر الملكية استحداث مركز للأمن الوطني، يرتبط بالديوان الملكي بصورة مباشرة. وكانت السعودية قد استحدثت في 2005 مجلساً للأمن الوطني، وتم تعيين الأمير بندر بن سلطان على رأسه. إلا أن المجلس ألغي في 2015. فيما أقرت أوامر السبت تعيين محمد بن صالح الغفيلي مستشاراً للأمن الوطني، والذي سيكون مرتبطاً بالديوان الملكي بصورة مباشرة، ما يعني أولوية أكبر للقضايا الأمنية، وارتباطها المباشر بالملك السعودي.
كما نصّت الأوامر على إعفاء قائد القوات البرية الفريق ركن عيد بن عواض الشلوي وتعيين الفريق ركن الأمير فهد بن تركي قائداً للقوات البرية، وتعيين مستشار وزير الدفاع، المتحدث باسم التحالف العربي في اليمن، اللواء أحمد عسيري، نائباً لرئيس الاستخبارات العامة.
وتضمنت الأوامر الملكية أيضاً تعيينات على مستوى إمارات المناطق، وشملت تعيين عدد كبير من أبناء الصف الثاني من الأسرة المالكة بمناصب أمراء مناطق ونواب أمراء مناطق. وجاءت أبرز هذه التعيينات بتعيين الأمير حسام بن سعود بن عبدالعزيز أميراً لمنطقة الباحة، وفيصل بن خالد بن سلطان أميراً لمنطقة الحدود الشمالية، وسعود بن خالد الفيصل نائباً لأمير المدينة المنورة، والأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائباً لأمير منطقة الرياض، والأمير أحمد بن فهد بن سلمان نائباً لأمير المنطقة الشرقية.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك