لا ريب أن أمور الناس الدنيوية من تدابيرهم الصناعية والزراعية والاقتصادية والحضارية والطبية والهندسية والمعمارية .. وو.. مردها إلى خبرة الناس ومعرفتهم وتجاربهم ولا تعلق لها بالدين ، بل من أخذ بها نالها مسلما كان أو كافرا صالحا كان أو طالحا ، لأن أمور الحياة وشؤونها مبنية على قانون وناموس السببية من باب حكم الله القدري الكوني ، فأمور الدنيا يتعاطاها كل إنسان بعادته وطبعه وفطرته وحاجته وخبرته لا بدينه وإيمانه ، ولذا في صحيح مسلم في قضية تأبير النخل ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم :( ما كان من أمر دينكم فإلي وما كان من أمر دنياكم فإليكم ) ، فجعل أمور الدين مردها إلى الوحي والرسل وما جاءوا به وجعل أمور الدنيا مردها إلى المعرفة والخبرة والتجربة ، فالإسلام جاء بتوجيه وفرض لازم بالأخذ بالسنن ونيل كل نافع وتجنب كل ضار والعمل على إصلاح الدين وإصلاح الدنيا ، وبين تفصيلا أحكام الدين لحاجتنا إليها وعجزنا عن الوصول إليها بغير الوحي كما أجمل أحكام الدنيا لأنه خلق فينا من العقل وفي الكون من السنن ما يدل عليها وعلى تحصيلها .
والإنسان الذي يتعاطى هذه الدنيا وشؤونها الله خالقه وربه أراد له الخير والصلاح والكمال في الدنيا والآخرة فأرسل الله سبحانه رسله بأمره الشرعي لتصح عقائد الإنسان وتصوراته بأحكام الله الشرعية العلمية ولتستقيم أفعال الإنسان وسلوكه بأحكام الله الشرعية العلمية وأخبر الله كل الناس أن كل ما خلقه لهم في دنياهم مباح لهم يفعلون به ما شاءوا بحسب رغباتهم وحاجاتهم وعادياتهم.
إلا أنه سبحانه استثنى بعض الأفعال للإنسان أوجبها عليه أو حرمها عليه رحمة به وتحقيقا لمصلحته ورعاية لمنفعته ودفعا لما يضره والتزام الإنسان بهذا التشريع الرباني هو دين الإسلام والإسلام لا يلزمنا أن نجعل النهضة المادية والحضارية للبشر متعلقة بالأمر والحكم الشرعي ومبنية على الدين بل هو يقرر بأن الدنيا وأمورها قد ينالها الكافر كما قد يحرمها المؤمن بحسب أخذهم بالسنن القدرية.
وكما هو حاصل الآن لأن أمور الدنيا مرتبطة بقانون العلة والسببية وغيرها من القوانين والسنن القدرية الكونية فيفوز بها من أخذ بأسبابها مسلما كان أو كافرا وحكم الله الشرعي وهو الدين والكتب والوحي الذي جاءت به رسل الله وأنبياؤه لا يشمل كل شيء من أمور الناس وشؤون الحياة والخليقة تفصيلا وإنما يشملها إجمالا ويبينها بيانا عاما لأن الدين الذي يفترق به الناس إلى بر وفاجر ومؤمن وكافر ليس مشروعا ماديا .. وإنما هو هداية الإنسان إلى التصور والإعتقاد الصحيح والعمل الصالح والتزام الحلال واجتناب الحرام للسعادة في الدنيا والفوز والنجاة والسعادة في الآخرة .
ومعنى أن الوحي تبيانا لكل شيء أي أنه بيان تفصيلي لكل شيء في الدين مع بيان مجمل وعام لما يصلح للناس في أمر دنياهم إلا أن غير المؤمن بأمر الله الشرعي أو غير المستقيم عليه فهو وإن فاز بأي أمر دنيوي أو ناله أوحققه فإنما ينتفع به فقط في الدنيا دون الآخرة كما لا ينتفع بما يحققه من شؤون الدنيا الانتفاع التام والصحيح لانحرافه في سلوكه وتصوره عن حكم الله وأمره الشرعي.
كما أن الإسلام قد حض البشر على الأخذ بالسنن القدرية وتوظيفها التوظيف النافع ليس في الدنيا فحسب بل في الدنيا والآخرة بخلاف الأديان المحرفة التي عارضت العلم والمعرفة والأخذ بالسنن والقوانين الكونية .
وعليه.. فالعلمانية عندما تقرر أن النهضة الدنيوية والمادية لا ترتبط بأي دين فهذا كلام صحيح موافق للعقل الصريح والنقل الصحيح وعندما تقرر العلمانية أن أمر الله الشرعي لا علاقة له ولا حكم على أفعال الإنسان وتصوراته فهذه سفسطة تعارض الدين الحق وتناقض العقل والمحسوس والفطرة الفطرة التي جعلت كل البشر في كل عصر ومصر ومن كل ملة ونحلة جعلتهم يفتقرون لأحكام وقوانين تحكم أقوالهم أفعالهم وتصوراتهم ويخضعون لها ويحتكمون إليها فكيف تقرر العلمانية أن الإنسان عندما يخضع ويحتكم في فعله وتصوره لقانون قرره هو أو مجتمعه أو مخلوق مثله يكون ذلك رقيا وعندما يخضع الإنسان ويحتكم لقانون أنزله خالقه وربه يكون ذلك تخلفا .. ما لكم كيف تحكمون.
*من صفحة الكاتب على الفيس بوك
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك