حين أعلن قائد الجيش الجزائري أن الرئيس مريض بدرجة لا تسمح له بممارسة الحكم، كشف أين تكمن القوة الحقيقية في الجزائر، وذلك بحسب جيمس مكدوغال، الخبير في تاريخ الجزائر.
بالنسبة للرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، البالغ من العمر 82 عاما ، فإن "اللعبة قد انتهت"، بحسب الشعارات التي دأب المتظاهرون على ترديدها في شوارع البلاد منذ منتصف فبراير/ شباط الماضي.
لكن استقالة بوتفليقة، التي أعلنت الثلاثاء الماضي، لا تعني نهاية الاحتجاجات، التي شارك فيها مئات الآلاف من الأشخاص، من جميع الأعمار، بشكل سلمي طيلة سبعة أسابيع.
لكن منذ البداية، كانت الاحتجاجات ترمي إلى ما هو أبعد من بوتفليقة.
وطالبت لافتات ومنشورات على الإنترنت برحيل "النظام" بأكمله.
لذلك حينما أعلن رئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح ، في 26 مارس/ آذار الماضي، أنه ينبغي تطبيق المادة 102 من الدستور - التي تسمح بإقالة الرئيس بسبب اعتلال صحته - فقد كسب المتظاهرون شيئًا ما، لكن ردهم كان حذرا.
وفي يوم الجمعة التالي، حمل المتظاهرون في مدينة وهران، ثاني أكبر مدن الجزائر، لافتات كتبوا عليها "المادة 102 هي نصف الإجابة. على العصابة أن ترحل بأكملها".
وانتشرت هاشتاغات على مواقع التواصل الاجتماعي، منها "ارحل يعني ارحل"، و"اطردوهم جميعا".
وهتف المتظاهرون في العاصمة الجزائر: "ارحل يا بوتفليقة، وخذ معك صالح".
وطالب بيان ثان من الجنرال صالح بالتطبيق "الفوري" للمادة 102.
وجاءت استقالة بوتفليقة بعد ساعات قليلة من ذلك البيان.
ويعد صالح، البالغ من العمر 79 عاما، مثله مثل بوتفليقة، واحدا من آخر من بقوا على قيد الحياة من المحاربين القدامى، من الجيل الثوري الجزائري، الذين خاضوا حرب الاستقلال ضد فرنسا، بين عامي 1954 و 1962.
ومنذ الاستقلال، أصبح الجيش هو المركز الحقيقي للسلطة، حيث يفصل في النزاعات بين الفصائل السياسية والمصالح الاقتصادية، ويصنع الرؤساء أو يستبعدهم.
وبوتفليقة نفسه جُلب إلى الرئاسة في عام 1999 من قبل مجموعة من قادة الجيش، الذين شنوا حربا شرسة، اندلعت في عام 1992 ضد إسلاميين مسلحين.
وبعد انتهاء تلك الحرب، حافظ الجيش على سلطته، وتصرف من وراء الكواليس لتوزيع النفوذ، من خلال نظام سياسي متعدد الأحزاب في الجزائر، و"نظام" المصالح الفئوية التي يمثلها.
لكن الجيش ليس اللاعب الوحيد في هذا النظام. وفي مطلع العقد الأول من القرن العشرين، قام بوتفليقة بإقالة قادة الجيش الذين ساندوه.
هناك أيضا "قبيلة" رئاسية، تشمل رجال أعمال أثرياء، تجمعوا حول بوتفليقة وشقيقه سعيد.
وبعد أن تعرض بوتفليقة لسكتة دماغية أقعدته في عام 2013، ظهر شقيقه سعيد، بشكل متزايد، على أنه صاحب نفوذ في مركز السلطة.
إقالة
لكن صالح، الذي تولى قيادة الجيش في عام 2004، شخصية محورية في هذا النظام.
وحتى الأسبوع الماضي، كان يعرف على أنه على صلة قوية بالرئيس ودائرته.
لكن قراره بالتخلي عن الرئيس، وإعلانه أن الجيش "منحاز" لتطلعات الحركة الشعبية، كان مؤشرا على اعتراف بضرورة اتخاذ إجراءات جذرية لإنقاذ النظام.
وفي اليوم الذي استقال الرئيس بوتفليقة، تم إلقاء القبض على رجل أعمال بارز، مرتبط بمجموعة سعيد بوتفليقة، كما صودرت جوازات سفر آخرين، ومنعوا من مغادرة البلاد.
وبينما رحب بعض المتظاهرين بخطوة الجيش، كانت هناك مطالب أيضا بأن يكون "مكان الجيش في الثكنات"، ورفض واسع النطاق لمحاولة السيطرة على الانتقال السياسي من جانب أولئك الذين لا يزالون في السلطة.
وبإزاحة بوتفليقة وإلقاء القبض على رفقائه المقربين، ينوي صالح بلا شك استعادة المبادرة من الشارع.
وتشمل الشعارات الآن: "الجيش والشعب إخوة"، و"الجيش والشعب يد واحدة".
وربما تكون هذه الهتافات بمثابة تصويت بالثقة على تصرفات قائد الجيش.
لكن ربما تفهم أيضا على أنها دعوة للجيش للاصطفاف مع الشعب حقا، بدلا من المناورة ضدهم.
وتقول لافتات أخرى: "لا قايد ولا سعيد"، "ارحل أيها النظام".
وبينما يشجب صالح جماعات المصالح، يقول إن الجيش الجزائري "عصري ومحترف".
ولا شك أن بعض الجزائريين، وبينهم الكثير من ضباط الجيش، يكرهون صورة الجزائر التي يحكمها رئيس صوري مٌقعد لصالح مجموعة من الرأسماليين المقربين من شقيقه.
إنهم لا يعتبرون أنفسهم "اللصوص"، الذين "ينهبون البلد"، كما يهتف المحتجون.
ويعتقد بعض المراقبين والناشطين أن الجيش، كمؤسسة، يريد الآن الابتعاد عن السياسة، وربما يدعم "القضاء على الفساد"، كما يطالب المحتجون.
وذكَّر طلب صالح بتطبيق المادة 102 من الدستور بالمادتين 7 و8 منه.
وتنص هاتان المادتان رسميا على أن السيادة في الجزائر للشعب.
وكانت مطالب الحركة الشعبية بعيدة المدى منذ البداية، واستمر زخمها من أسبوع إلى آخر، حيث شارك الطلاب والمحامون والقضاة والصحفيون وأساتذة الجامعات، وحتى رجال الإطفاء وقدامى المحاربين في المظاهرات، خلال الأيام التي تخللت كل أيام الجمعة التي شهدت احتجاجات هائلة.
والشعار السائد هو: "في 1962 تحررت البلاد، في 2019 تحرر الشعب".
والسؤال الكبير الآن هو ما إذا كان الجيش الجزائري سوف يسمح بمرحلة انتقالية، تعطي السيادة للشعب بالفعل.