لا يزال التحشيد العسكري قائماً في محيط قطاع سرت ـ الجفرة، الذي يمثل خط التماس بين طرفي الصراع في ليبيا، في انتظار حلول سلمية تبحث في عواصم عربية ودولية مختلفة للتوصل إلى تفاهمات لإنهاء التوتر والتصعيد، لكن تلك الجهود لا يبدو أنها أفضت إلى جديد حتى الآن.
وتدفع حكومة الوفاق، عبر حليفها التركي، باتجاه تسليم مناطق سرت والجفرة دون صدام عسكري، مصرةً على ضرورة سيطرتها عليها، وسط مؤشرات تعكس رغبة روسية في الانسحاب من مواقعها في المنطقتين، وأخرى تعكس بدء القاهرة في الإعداد لتأمين مناطق شرق ليبيا لصد أي تقدم عسكري من جانب قوات "الوفاق" بدعم تركي.
ورصدت قوات "الوفاق"، فجر الأربعاء، وصول إمدادات عسكرية قادمة من مصر، إلى مدينة طبرق شمال شرقي ليبيا، وذلك غداة إعلان مليشيات خليفة حفتر، اقتراب "معركة كبرى" في محيط سرت (شمال) والجفرة (وسط).
وبث المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب" التابعة للجيش الليبي، عبر "فيسبوك"، صورة لسيارات نقل مخصصة لحمل الأسلحة والعتاد الحربي، يقف بمحاذاتها أشخاص يرتدون زياً عسكرياً، دون ذكر أي تفاصيل أخرى.
من جهته، أكّد مصدر برلماني من طبرق أن منظومات الدفاع الجوي التي نشرتها مصر على حدودها الغربية، في الآونة الأخيرة، تهدف إلى تأمين سماء المنطقة الشرقية، استباقاً لأي تهديد قد يشكله الطيران التركي الداعم لحكومة الوفاق للمعسكرات والنقاط العسكرية، شرق ليبيا، خصوصاً قاعدة الرجمة التي لا تزال تشكل أهمية معنوية لبقايا مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ومعلومات البرلماني التي أدلى بها، "، يؤكّدها الخبير الأمني الليبي، الصيد عبد الحفيظ، إذ يقول إن "مدى تلك الدفاعات الجوية لا يمكن أن يصل إلى منطقتَي سرت والجفرة البعيدتين جداً عن الحدود المصرية الليبية"، مشيراً إلى أن مداها يمكن أن يحمي سماء المنطقة الشرقية حتى مشارف بنغازي.
وعن حالة الجمود التي تعيشها قوات "الوفاق"، يؤكد دبلوماسي ليبي رفيع بالسفارة الليبية في روما لـ"العربي الجديد"، أن الجهود الإيطالية تتوسط حالياً مساعي كل الأطراف الدولية والإقليمية المنغمسة في الملف الليبي، الداعمة لكلا الطرفين في ليبيا، مشيراً إلى أن رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، عقيلة صالح، أكد لمسؤولي روما، أثناء زيارته إلى إيطاليا، التي أجراها، أمس الثلاثاء، استعداده لتكييف مبادرته السياسية التي سبق أن أعلن عنها نهاية إبريل/نيسان الماضي مع أي سعي دولي من شأنه أن يوقف قوات "الوفاق" عند مدينتي سرت والجفرة.
وأشار الدبلوماسي إلى أن صالح قدم تنازلات كبيرة، يبدو أن القاهرة تقف وراءها، من أجل حشد الموقف الإيطالي لصالحه، مستخدماً ورقة النفط للمساومة.
وعلى الرغم من أن الدبلوماسي أكد وجود ترحيب إيطالي بتنازلات صالح، إلا أنه أكد في ذات الوقت أنها لا تزال راغبة في لعب دور الوسيط في الملف الليبي، ما يحفظ لها ثقلها في هذا الملف.
وكان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي لويجي دي مايو، قد جدد تأكيد سعي بلاده ضمن إطار عملية برلين من أجل وقف إطلاق النار في ليبيا وذلك لدى استقباله، أمس الثلاثاء، صالح.
وبحسب وكالة "آكي" الإيطالية، فإنّ الوزير الإيطالي اعتبر أن صالح يمكن أن يقدم مساهمة مهمة لإطلاق حوار ليبي ــ ليبي لإنتاج حل سياسي، مشيراً إلى أن لقاءه به ناقش أيضاً إمكانية استئناف إنتاج وتصدير النفط الذي شدد على أثره الإيجابي في آفاق المفاوضات في المجالين السياسي والأمني.
وحفل الملف الليبي خلال الساعات الماضية باتصالات كثيفة، بينها اتصال بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، اتفقا خلاله على التعاون الوثيق من أجل تحقيق استقرار دائم في ليبيا.
ويؤكد المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب، في حديث لـ"العربي الجديد"، بقاء الساحتَين السياسية والعسكرية في وضع الجمود والترقب، موضحاً أنّ المجتمع الدولي لن يسمح بحدوث أي مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا في ليبيا وتحديداً في سرت والجفرة الواقعتين على تخوم منطقة نفطية مهمة بالنسبة له(المجتمع الدولي).
وبشأن الوجود العسكري المصري على الحدود الليبية، يرى أن الملف الليبي الذي لم يتوقف عن التنقل بين عاصمة وأخرى، إثر تفاعلاته، يتجه لتسليم مناطق سرت والجفرة لحكومة الوفاق، لكن النقاش يدور حول ما بعد المنطقتين.
وبحسب ذويب، فإن الجانب المصري يستبق حالياً الأحداث المقبلة بتأمين منطقة شرق ليبيا لمنع أي تقدم من جانب قوات "الوفاق" التي تقف وراءها تركيا.
وبينما يتفق الأكاديمي الليبي خليفة الحداد مع هذا الرأي، إلا أنه يؤكد أن تعقّد المشهد في الآونة الأخيرة جاء بسبب تشابك الأوضاع بين العامل الأمني المهم لمصر، وأوضاع النفط الذي قد يصبح مهدداً إذا ما اقتربت الحرب منه.
ويرى الحداد في حديثه، لـ"العربي الجديد"، أن بقاء البعثة الأممية في ليبيا بعيداً عن الأحداث الحالية يعني أن الحديث عن الحل السياسي لا يزال بعيداً، كما أن ظاهر التصريحات والمواقف في العواصم الكبيرة كموسكو وباريس وروما وأنقرة لا يشير إلى وجود تقارب بينها.
ويرجح أن السيناريو الذي تدفع باتجاهه واشنطن والذي يلخص الحل في إخلاء منطقة سرت ـ الجفرة من السلاح مع خضوعه لسلطة حكومة الوفاق التي تتبع لها المؤسسة الوطنية للنفط سيبقى أقوى سيناريوهات الحل، لكن عامل التشويش الوحيد حوله يتمثل في القلق الأميركي من الوجود الروسي في منطقة النفط وفي قطاع سرت ـ الجفرة.
وعن سعي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لحشد دعم إيطالي يقول الحداد إنه يمثّل خطوة لا تنبئ بمعرفةٍ بواقع المصالح الأوروبية والخلاف الإيطالي الفرنسي المتجذر في الملف الليبي، مشيراً إلى أن إيطاليا تسير في ركاب السياسة الأميركية التي لا يبدو أنها ترحّب بدور كبير لمجلس النواب ومعسكر حفتر الذي لا يزال متمسكاً بالوجود الروسي في ليبيا، ولذا فتصريحات الوزير الإيطالي لا ترى في صالح سوى عامل مساعد في إطلاق أي حوار مقبل.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك