بعد كثير من التسريبات والتوقعات، شيعت العاصمة السودانية الخرطوم مبدأ "اللاءات الثلاثة" الذي التصق بها بسنوات، وتحولت مجبرة أو طواعية، إلى قائمة "أصدقاء إسرائيل".
فالخرطوم، التي خرجت منها القمة العربية في 1967، بالتأكيد على أنه "لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع إسرائيل"، حتى أنها اشتهرت بـ"عاصمة اللاءات الثلاثة"، انضمت، الجمعة، لركب الدول المطبعة، لتكتب حقبة جديدة في تاريخ المنطقة.
وفي وقت سابق الجمعة، أعلن الرئيس الأمريكي أن السودان وافق على تطبيع العلاقات بالكامل مع إسرائيل، عقب اتصال مشترك مع رئيسي الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، والإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقال ترامب، في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، إن "اتفاق التطبيع بين السودان وإسرائيل، تم من دون قطرة دم على الرمال"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.
ويرى محللون أن محاولة تمسك الخرطوم بفكرة "اللاءات الثلاثة" حتى اليوم لم تعد واقعية، لأن الزمن تغير، وأصبحت المصالح هي السائدة وليست المبادئ.
ويعتبر المحللون، أن إقدام الحكومة السودانية على كسر موقف ظل ثابتا، أمر طبيعي، في ظل تهافت عربي نحو إسرائيل، كما أنه يجب أن ينظر إليه باعتبار أنه ليس نشازا، إذ أن دولا أخرى سبقت السودان.
وبتطبيع السودان، يصبح الدولة العربية الخامسة، التي تتفق رسميا على السلام مع إسرائيل، بعد البحرين والإمارات (2020)، وقبلهما الأردن (1994) ومصر (1979).
** أوضاع صعبة
ويبحث السودانيون عن مخرج من أزماتهم الاقتصادية، لكن هذه المرة من بوابة إسرائيل، بهدف الانفتاح على العالم الخارجي، عقب الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير (1989: 2019).
ومنذ فبراير/ شباط الماضي، ساد جدل حول إمكانية التطبيع بعد لقاء تم بين رئيس المجلس السيادي السوداني، عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتأثير العلاقات مع تل أبيب على أوضاع الخرطوم.
وينقسم الشارع السوداني بين من يرى في التطبيع مع إسرائيل، مكسبا اقتصاديا يساعد على التخفيف من حدة الأزمات المعيشية، وبين من يرى أنه سيفرض مزيدا من القيود على البلاد، لكن من نوع آخر.
ويرى خبراء سودانيون، أن هناك مكاسب اقتصادية يمكن أن ينالها السودان، باتخاذ قرار التطبيع، بينها الاستفادة من التقنيات الحديثة لإسرائيل في مجال الزراعة، والتي من شأنها أن تساهم في تحقيق طفرة إنتاجية كبرى بالسودان.
إضافة إلى التوليد الكهربائي والاتصالات والمجالات البحثية، غير أن الخبراء شددوا أيضا، على أن الاستفادة الاقتصادية القصوى، ستكون لصالح إسرائيل، لبحثها المستمر عن دولة لتكون بوابتها إلى القارة الإفريقية.
ويعاني السودان أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي؛ بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق غير الرسمية، إلى أرقام قياسية.
** خلاف محتمل
وطغى خبر التطبيع السوداني مع إسرائيل، على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إذ أعلن البيت الأبيض، في وقت سابق الجمعة، أن ترامب، أبلغ الكونغرس، نيته رفع السودان من قائمة الإرهاب.
وتدرج الولايات المتحدة، منذ عام 1993، السودان على هذه القائمة، لاستضافته آنذاك الزعيم الراحل لتنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن.
ولعل التزامن بين رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وإعلان تطبيعه مع إسرائيل، أظهر حكومة الخرطوم وكأنها رضخت للضغوط الأمريكية، والقبول بالتطبيع كشرط لإزالة اسم السودان من القائمة، التي تفرض على السودان عزلة دولية إلى حد كبير.
وكان اللافت، ترحيب العديد من المسئولين السودانيين بخبر رفع العقوبات عبر صفحاتهم الرسمية على موقعي "تويتر، وفيسوك"، ثم صمتهم عن الحديث بعد إعلان التطبيع مع إسرائيل.
ويرى مراقبون، أن هذا الصمت من المسؤولين السودانيين، يظهر أن قرار التطبيع سيكون له عواقب داخلية واسعة، بسبب الاعتراضات المتوقعة، علاوة على أن السودان ليس مستقرا في الأساس، ويشهد حوادث أمنية ويعاني من أزمات اقتصادية طاحنة.
إضافة إلى ذلك، يشير خبراء إلى أن التطبيع، قد يحدث بلبلة حتى داخل الحاضنة السياسية للحكومة، فأحزاب الأمة القومي والشيوعي والبعث (أحزاب الائتلاف الحاكم في إعلان قوى الحرية والتغيير) أعلنت رفضها مسبقا لعملية التطبيع مع إسرائيل".
وهذا بالتأكيد، "قد يؤدى إلى حدوث انقسام في قمة سلطة الفترة الانتقالية"، حسب الخبراء.
وفي 21 أغسطس/ آب 2019، بدأت بالسودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرًا وتنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف "إعلان قوى الحرية والتغيير"، قائد الحراك الشعبي.
وقال حزب المؤتمر الشعبي (المعارض)، إنه يرفض التطبيع وإسرائيل دولة معادية، فيما أعلن حزب حزب "البعث" السوداني (اشتراكي)، عن اتصالات سياسية ومجتمعية لتشكيل جبهة ضد التطبيع مع إسرائيل.
والخميس، هدد حزب الأمة القومي (ضمن الائتلاف الحاكم)، بسحب تأييده للسلطة الانتقالية في البلاد، إذا أقدمت على التطبيع، لأنه ليس من حقها ذلك، بحسب أن القضايا الخلافية الكبرى تتطلب حكومة ديمقراطية، وليست من مهام حكومة انتقالية.
** قمع وثورة
ويرى محللون أن اتفاق السودان مع إسرائيل وأمريكا، سيفتح الباب أمام موجة جديدة من القمع في البلاد، باعتبار أن الحكومة وجدت لها سندا دوليا يمكنها من ممارسة القمع وكبت للحريات، لاسيما للرافضين للاتفاق أو معارضيها.
ويقول الصحفي محمد عمر، إن "الموقف السياسي لحكومة السودان، الذي مثله مجلسا الوزراء والسيادي، بالموافقة على التطبيع مع إسرائيل، لا يخرج عن كونه بحث عن مصالحهم في حكم السودان وليس للشعب السوداني".
ويضيف عمر، للأناضول: "المؤيدون للتطبيع مع إسرائيل من أحزاب سياسية وعسكر، يعبرون عن موقف سياسي واحد، يتمثل في مصالحهم وليس مصلحة السودان".
يضاف إلى ذلك، أن حكومة عبدالله حمدوك، ظلت لآخر لحظة تتمسك بأن إزالة السودان من قائمة الإرهاب مسار مختلف عن التطبيع، إلا أن ما حدث من تطبيع عقب رفع السودان مباشرة، يجعل مصداقية حكومة حمدوك على المحك.
هذه الانتقادات لحكومة حمدوك، تضعها في مواجهة مع الشعب، وتعيد إلى الأذهان خروجه في تظاهرات ضد نظام عمر البشير، وإسقاطه في إبريل/نيسان 2019، بسبب عدم شفافية نظامه، وفرضه سياسة الأمر الواقع على الشعب.
وفي 28 سبتمبر/ أيلول الماضي، قال حمدوك، إن قضية تطبيع بلاده للعلاقات مع إسرائيل "معقدة، وتحتاج إلى توافق مجتمعي"، ورفض حمدوك، آنذاك، "ربط عملية التطبيع (مع إسرائيل)، بقضية شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب".
وينتظر السودانيون، ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، ووسط توقعات الخبراء بتفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية خلال الفترة المقبلة، ووعود الولايات المتحدة وأوروبا بالانفتاح على إسرائيل ودعمه بمليارات الدولارات.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك