التقى الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليوم رؤساء وأعضاء مجالس النواب والوزراء والنواب في القاعة الكبرى بدار الرئاسة في اجتماع وطني لتدارس الموقف الراهن من مختلف الجوانب في ضوء وثيقة السلم والشراكة .
وفي هذا اللقاء الموسع الذي حضره رئيس مجلس النواب يحيى الراعي ورئيس مجلس الشورى عبدالرحمن محمد علي عثمان ونائب رئيس مجلس الوزراء ، وزير الإتصالات الدكتور أحمد عبيد بن دغر ونائب رئيس الوزراء وزير الكهرباء المهندس عبدالله محسن الأكوع ، ومستشاري الرئيس وممثلو الأحزاب والتنظيمات السياسية القى الرئيس كلمة فيما يلي نص الكلمة التي وصفت بالحزينة :
يا ابناء شعبنا اليمن العظيم :
اخاطبكم في هذه اللحظة العصيبة من تاريخنا اليمني وانا مدرك تماما صعوبة الايام الفائتة التي قضيتموها قلقين, خائفين تحت اصوات القصف ونيران المدافع ويعز علينا ان تتعرضوا لهذه المتاعب, وان تواجهوا ماحدث, بل ان تبلوا بفقد احبتكم و النزوح او التهجير من منازلكم, وانتهز الفرصة هنا لأعزي بعميق الآسى وبالغ الحزن كل اسرة فقدت عزيزا او قريبا فمصابكم في الحقيقة هو مصابنا وهو مصاب الوطن وألمكم جرح عميق في خاصرة الوطن, سيذكرنا بمرارة بالآم قتال ابناء الشعب الواحد وخطر الدخول في حرب اهلية ولم يكن من المفترض أصلاً أن تطلق رصاصة واحدة ونحن نخوض الحوار والمفاوضات مع حرصنا الدائم والمعلن على السلم .
أدرك أنكم جميعا تشعرون بالصدمة مما حدث ومن تسليم بعض مؤسسات الدولة ووحدات الجيش بالصورة التي شاهدناها, ولكن عليكم أن تعرفوا أيضا أن المؤامرة قد كانت فوق التصور, وأننا "طعنا وغدرنا" وأنها مؤامرة تعدت حدود الوطن’ تحالفت فيها قوى عديدة من اصحاب المصالح التي فقدت او من الذين جعلتهم ثاراتهم الشخصية يثأرون من الوطن قبل ثأرهم من الاشخاص, ومن الانتهازيين الذين نراهم في كل فاجعة يأكلون من كبد هذا الوطن, ومع الاسف انه موقف اختلطت فيه كذلك الامور على قطاع كبير من البسطاء والانقياء والحالمين الصادقين من ابناء هذا الوطن الذين دفعتهم طول المعاناة ووطأتها وضبابية المرحلة واستقطاباتها وضراوة الحملات الاعلامية وشراستها, وقبل كل ذلك تقصيرنا كدولة وضعف وانتهازية البعض منا بالدفع بهم للذهاب والتخندق في الموقف الذي لا يعبر صدقا عن حقيقة تطلعاتهم وآمالهم وأحلامهم في الدولة المدنية الحديثة.
يا ابناء شعبنا الصابر الآبي
دعونا نغادر في هذه اللحظة العصيبة لغة التنديد واللوم وتحميل المسئولية, بل والتخوين لما حدث في عاصمتنا وعنوان وحدتنا .. صنعاء التي احتضنت الحلم ... وكانت وستبقى امينة عليه ... فمهما تحدثنا ولومنا وعبرنا ، فما حصل كان أقسى ولا يمكن لأي عبارات او لوم او حتى تحمل او تهرب من المسئولية أن يعبر عن قساوة وصعوبة ما حدث ، وما اسهل ان نقوم فقط بذلك وما اصعب ان نقرر جميعا ان نتحمل المسئولية في هذا الظرف الذي يحتاج منا جميعا ان نتوحد وان نتماسك لندافع عن حلمنا الذي حكناه وصغناه سويا في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ، حلم الشعب في الحياة الكريمة وفي الدولة العادلة الرشيدة ، وفي المواطنة المتساوية والشراكة الحقيقية.
ولا بد أن أشير واكرر إلى أنني عندما استلمت الدولة في عام 2012 لم أستلم منها إلا شبه دولة لسلطة متفككة ومؤسسات متغولة في الفساد وجيش مقسم الولاءات ومحافظات عدة خارج سيطرة الدولة .. ولم يكن من الممكن أن يتم تغيير كل هذا في عامين قضيتها بإطفاء الازمات ومحاولة تحقيق التوافقات وبتجنيب البلاد الحروب قدر ما استطعت .
وأعترف لكم أن الكرسي الذي أجلس عليه لم يكن أبداً وجاهة ولا منصبا, بل كان كرسيا من نار ، وأمانه ثقيلة أجمعتم في مرحلة معينة على تكليفي بها ، ولن أنسى أبداً المسنين والعجائز الذين ذهبوا بين السواتر الترابية والمتارس تحت اطلاق النار لانتخابي ليس لشيء الا بحثا ً عن الأمن والاستقرار والدولة المدنية .
لكنني بذات الوقت أؤكد لكم وأتعهد امام الله وأمامكم بأنه رغم كل هذه التحديات فإنني لن أتهرب من مسئولياتي والتزاماتي تجاهكم ‘ خاصة في هذا الظرف الصعب ‘ فأنا مصمم على ما عاهدتكم عليه منذ البدء ‘ وسأتحمل مسئوليتي في تحقيق الأمن والاستقرار واعادة الامور لنصابها ‘ والسعي لتحقيق مخرجات الحوار الوطني.
لقد مضت تلك الاشهر منذ دماج الى عمران, فصنعاء في جهود لاحتواء فتيل ازمات تكالبت قوى خارجية وداخلية لإشعالها وتأجيجها لإسقاط تجربة اليمن في الانتقال السلمي, وقد كنت حريصا خلالها على الا استسلم, والا اسلم اليمن للحرب الاهلية, والا احول اليمن لورقة تفاوضية بيد ايا كان, وها انا اقول لكم ان صنعاء لم تسقط , ولا يمكن لها ان تسقط, فصنعاء مدينة كل اليمنيين ولن تكون حصرا ولا ملكا لاحد, وما كان توقيع اتفاق السلم والشراكة الا تعميدا لخيار السلام الذي جنح اليه اهلها واليمنيون قاطبة وهم العارفون بمغبة الاقتتال الذي عانى منه اليمن لسنوات طويلة .
لذا فقد بذلنا الكثير من الجهد لاحتواء الازمة سياسيا وسلميا, وأرسلنا من اللجان والوفود الى اخوتنا في صعدة العشرات, لا ضعفا منا كما يعتقد البعض او يصور ولكن ادراكا منا بان الحروب لا تجلب الا الدمار , وبانها لا تفتح المدن بل تغلقها ولا تفتح القلوب بين ابناء الشعب الواحد بل تقتل الأمل فيها, لذا فقد تفاءلنا بما تم التوصل اليه في الاتفاق الأخير الذي سمي باتفاق السلم والشراكة الوطنية, والذي كان نتيجة تراكمية لجهود المخلصين من ابناء هذا الوطن من كل الاطراف بمن فيهم العقلاء والمخلصين من انصار الله, والذي بذل فيه المبعوث الاممي جمال بنعمر ومعه كل الاشقاء والأصدقاء جهود صادقة لانهاء الأزمة دون اراقة دماء او اقتحام معسكرات او بيوت آمنه, الا انه حدث ما حدث, وبرغم ذلك فاني ادعوهم لاحترام ما تعهدوا به أمام الله وأمام الشعب, والى احترام تعهداتهم السابقة واللاحقة, والى تحقيق أهدافهم عبر العمل السياسي فقط, وإيقاف كافة اعمال العنف ورفع كافة المظاهر المسلحة واحترام مدنية العاصمة وحضاريتها والخروج من كافة المؤسسات .
وأجدد هنا التزام الدولة بكل الالتزامات الواردة في ذلك الاتفاق وحرصها على ان تجعله بوابة للسلم والأمن, ومدخل حقيقي للحفاظ على التماسك الاجتماعي بين كل اليمنيين, وبأنها لا ولن تميز ابدا ومطلقا بين ايا من ابناء اليمن ايا كان موقفه اثناء الازمة, وبأنها حريصة على تنفيذ كل بنوده .
يا شعبنا الصابر
شكلت الفترة الاخيرة تربة خصبة لتناقل الشائعات وفي أجواء مفعمة بالتوتر والقلق وقع الكثير من المواطنين غير ملومين ضحية لها, فمن الشائعات من تقول اني تخليت عن صنعاء لأعلن عدن عاصمة ، واذكر باني شخصيا حاربت من أجل الوحدة وضحيت بأخلص رجالي من أجل مشروعها الذي أمنت به ودافعت عنه ، وأقول بأننا لم نتوصل لوثيقة حوار وطني شامل لهذا الشعب حافظت على وحدة وأمن واستقرار اليمن لأقوم انا بنقضها وخيانتها والالتفاف عليها ..
وهناك من الشائعات من تقول بأنني صفيت حزبا سياسيا وقويت آخر ، وهذا الكلام لا أساس له من الصحة ، فكل المكونات السياسية عماد للعمل الوطني, ولا يمكن ان يستقيم الوطن بواحد دون الآخر ، ولا يمكن لهذا المشروع الوطني الكبير ان يبنى الا بجهود كل ابناء الوطن وبكل قواه الوطنية دون استثناء, وما كان لهذه التسوية السياسية المبنية على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ان تنجح لولا انها بنيت على عدم الاقصاء وعلى التوافق الوطني الواسع.
وأجدد هنا مطالبتي لوسائل الإعلام مقروءة كانت أم مكتوبة لتحري المصداقية والإبتعاد عن الشائعات والفتن، وبأن تكون على قدر المسئولية في هذه الظروف التي يمر بها وطننا تعزيزا لقيم التسامح والاخاء والتوحد .. كما ادعو مجددا لميثاق شرف إعلامي موحد فيما بينها بما يقدم إعلاما يحترم عقل المواطن ويقوم على الصدق والشفافية .
أبنائي الشباب ، بناتي الشابات
لعل تأثير هذه الأحداث كان أكبر ما يكون عليكم فأنتم المستقبل وأنتم من نعول عليهم لبناء هذا الوطن وتوجيه بوصلته نحو التنمية والاعمار ، وإذ أقدر بل وأتابع إنفعالاتكم سواء في الصحافة أو في وسائل التواصل الإجتماعي والتي أجد فيها الكثير من المرارة والانفعال الذي يفقد بوصلته أحيانا ويتحول لمجرد تفريغ عاطفي للمواقف ، إلا أنها تشعرني أيضا بالطمأنينة على مستقبل البلاد لحرارة الإيمان والوطنية والحرقة التي ألمسها في كلماتكم على بلدكم الحبيب ، كما أعذر بعضكم وذلك لأنهم لا يرون إلا جزءا من الحقيقة ، وأدعوكم إلى أن تحولوا تلك المشاعر الفياضة وتلك الطاقة العارمة إلى مواقف بناء وإلى عمل إيجابي كنتم أنتم أول من بداءه وحرك فيه المياه الراكدة بإصراركم على التغيير , الذي أقول لكم بأنه ليس سهلا وبأن معركة التغيير والانتقال باليمن كما حلمتم لا زالت في بدايتها, وبأنها تحتاجكم فلا تجعلوا اليأس يتسلل إلى أعماقكم وجابهوا ما حدث بإرادة قوية واعلنوا تمسككم بالصبح الآتي لا محالة ، ولا تنهزموا أو تتهربوا أو تغادروا مواقع أنتم الأجدر بها ، فذلك ما يراد بكم ولكم ، أعينوني وأعينوا شعبكم الذي راهن عليكم باجتياز هذه المرحلة الصعبة .
يا أبناء الشعب اليمني العظيم
لقد عبرنا مراحلا عدة في المرحلة الانتقالية وحققنا توافقا وطنيا بدا مستحيلا خلال الحوار الوطني ، وأنجزنا وثيقة تحقق تطلعات اليمنيين نحو مستقبل آمن ومزدهر ، فهل ندوس على هذا كله لندخل البلد في حروب طاحنة لن تبقي من اليمن وعاصمتها إلا الأطلال ؟ ولن تفرق في وحشيتها بين طفل ورجل وامرأة ؟
أني من موقعي هذا أدعوكم إلى التعاضد, وإلى التكاتف يدا بيد لحماية هذا الوطن, وإلى الحفاظ على ما أنجزناه سوية على أسس الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية .
أدعوكم لتغليب صوت "اليمن الجديد" على أي صوت يحاول جركم إلى ماض مؤلم ، أو مستقبل مجهول .
أقول نعم يحق لهذا الشعب ان يقول بأنه انتصر ، فقد انتصر بجنوحه إلى السلم رغم كل العواصف ، وانتصر كذلك باحتفاله باتفاق السلم والشراكة كما احتفل بنجاح مؤتمر الحوار ، انتصرنا بموقفنا الأخلاقي الذي أبت فيه الدولة أن ترد على مصادر النيران وهي تأتي من البيوت والمزارع حتى لا نخطئ أي مواطن أو ننتهك أي حرمة ، ولا يمكن أن يكون جزء من ذلك الموقف ما شهدناه من اقتحام المعسكرات ونهبها أو ترويع المواطنين الآمنين أو اقتحام بيوتهم تحت أي حجة .
يا أبناء قواتنا المسلحة يا أبناء الجيش والامن..
اهيب بدوركم في حماية الوطن, فانتم السياج الحامي وعليكم يقع الرهان, ولقد اثبتم في معارك خضناها ضد الارهاب وضد كل ما يهدد الوطن وأمنه واستقراره, بانكم على قدر المسؤولية فلا تكونوا الا كما تليق ثقة شعبكم بكم ان تكونوا, ولا تنصاعوا الا لصوت الوطن الذي يعلو فوق كل صوت, ولا تترددوا في الدفاع عن حمى وطنكم, وها انا اشد على اياديكم وادعوكم لان تكونوا دوما عندي مستوى تطلعات وطموحات شعبكم في الأمن والاستقرار والرخاء .
اقول ذلك, وانا اعلم ما تعرضتم له من حملات ومن استهدافات, بل ما تتعرضون له من معاناة اقتصادية صعبة, أعدكم بان نعمل للتخفيف من وطاتها عليكم, بل نعمل صادقين على تحسين وضعكم العسكري والمعاشي, واترحم على ارواح جنودنا وضباطنا الأماجد الذين سقطوا وهم يسجلون أروع الملاحم في البطولة والفداء .
يا ابناء شعبنا اليمني..
اليمن عمق استراتيجي لا يستطيع انكار اهميته احد, والحفاظ على اليمن هو كالحفاظ على القلب في الجسد, وهنا اطالب المجتمع الدولي للقيام بدوره تجاه اليمن لكي تبقى نموذجا يسير على درب العملية السياسية السلمية , لا على درب الحروب والاقتتال, ادعوهم للوفاء بتعهداتهم ومساعدة اليمن واليمنيين على تجاوز المحن والتحديات, واقدر عاليا كل الجهود الخيرة من اشقاءنا من مجلس التعاون لدول الخليج العربي, وفي المقدمة منهم اخوتنا في المملكة العربية السعودية وأخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود .
كما اقدر جهود مجلس الأمن الدولي وجميع الدول الصديقة, الا اني اطالبهم في هذا الظرف الصعب ببذل المزيد وبتحمل مسؤوليتهم في الحفاظ على الامن والسلم.
ايها الشعب اليمني الكريم والصابر..
واذ نستحضر في هذه الايام الذكرى المجيدة لثورتي 26سبتمبر و14اكتوبر المجيدتين, فانني ادعوكم لجعل هذا الاحتفال هذه السنة صوتا موحدا لكل ابناء الشعب من أقصى صعدة الى أقصى المهرة, ولنجعل ثوابت الشعب في الوحدة والجمهورية والديمقراطية وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل عنوانا جامعا للاحتفاء باعياد الثورة المجيدة , وان نجعل من ذلك الاحتفال مصدرا للتوحد لا للانقسام والفرقة , وصوتا للسلم لا للحرب .
واعدكم ببذل كل الجهود والاجراءات التي تحافظ على هيبة الدولة ومؤسساتها وتحمى المواطن في كل مكان, وبان الايام القادمة ستكون أفضل, وبان الامور ستتغير للأحسن, رغم الصعوبات وقتامة الصورة .
فلا تسمحوا لداعي اليأس بان يتسرب الى قلوبكم المحبة لليمن, فانتم أكبر ضمان على حماية هذا الوطن, أنتم الرهان وعليكم الاتكال بعد الله سبحانه وتعالى, لقد ضربتم بسهم الخيبة كل من كان يتوقع ان تنزلق اليمن للحرب اكثر من مرة, واجبرتم العالم على ترديد عبارة " الحكمة اليمانية" فلا تستسلموا وقد اقتربنا من قطع هذه المرحلة, ولا تبيعوا احلامكم مقابل رصاصات أو بندقية, ولا تنسوا انكم صبرتم كثيرا ليرى هذا البلد طريق النماء والازدهار.
اللهم احفظ اليمن وأهله, اللهم احفظ اليمن وأهله,
المجد لهذا الشعب الصابر الوفي الأبي,
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك