بلغة شديدة اللهجة، حذرت الولايات المتحدة، أمس الأربعاء، الدول والشركات من التعامل مع الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، أو تقديم أي نوع من الدعم إليها، في خطوة من شأنها تقويض مصادر تمويل الحوثيين .
وقالت متحدثة وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس، في بيان، إن واشنطن "لن تتسامح مع أي دولة أو كيان تجاري يقدم الدعم لمنظمات إرهابية أجنبية، مثل الحوثيين، بما في ذلك تفريغ السفن وتزويدها بالنفط في الموانئ الخاضعة لسيطرتها".
وشددت على أن "مثل هذه الأفعال تُشكّل انتهاكًا للقانون الأميركي"، مذكرة بأنه في 5 آذار/مارس 2025، صنّفت وزارة الخارجية الحوثيين، منظمة إرهابية أجنبية، مُحققةً بذلك أحد وعود الرئيس ترامب الأولى عند توليه منصبه.
وأشارت بروس، إلى أن ترامب أوضح في الأمر التنفيذي أن "أنشطة الحوثيين تُهدد أمن المدنيين والموظفين الأميركيين في الشرق الأوسط، وسلامة أقرب شركائنا الإقليميين، واستقرار التجارة البحرية العالمية”.
ويمثل هذا التحذير الأميركي، بشأن عدم التعامل مع الموانئ اليمنية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي تصعيدًا جديدًا في أدوات الضغط السياسي والاقتصادي التي تستخدمها واشنطن ضد الجماعة، بالتزامن مع عملية عسكرية جوية يشنها الجيش الأميركي ضد أهداف للحوثيين منذ 15 آذار/مارس 2025.
ماذا يعني التحذير؟
ويهدف التحذير الأميركي إلى خنق الموارد الاقتصادية للجماعة عبر أدوات القانون الدولي والعقوبات، حيث أن قرار إعادة تصنيف الحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية" في مارس 2025، أعطى الإدارة الأميركية أداة قانونية قوية لتقييد مصادر تمويلهم، لا سيما الإيرادات التي يجنيها الحوثيون من ميناء الحديدة، الذي يعد شريانًا اقتصاديًا رئيسيًا لمناطق سيطرتهم.
قانونيا، يعني التحذير الأميركي أن أي تفريغ أو تزويد لسفن في هذا الميناء قد يعرّض الأفراد والشركات لعقوبات مباشرة، بما فيها تجميد الأصول أو الملاحقة القضائية. وهذا من شأنه أن يضعف قدرة الحوثيين على فرض الجبايات على التجار وشركات الشحن التي تستخدم الميناء.
مع تزايد القيود والخوف من العقوبات الأميركية، قد يعزف كثير من التجار عن استخدام الميناء، ما يعني انخفاضًا حادًا في تدفق الأموال إلى خزائن الحوثيين.
كما أن هذا التحذير، بمثابة رسالة صريحة لحلفاء واشنطن والشركات الدولية مفادها: "أي تعاون تجاري أو لوجستي مع الحوثيين عبر الموانئ سيُعتبر دعمًا لمنظمة إرهابية".
بالتالي، فهو يمنع أي محاولات دولية للتطبيع الاقتصادي أو التورط في تسويات تجارية مع الجماعة من باب الواقعية أو الضرورة، خصوصًا من قبل شركات عاملة في القطاع البحري، أو كيانات دولية تابعة للأمم المتحدة.
اقتصاد الحرب والأمم المتحدة
ويحقق الحوثيون من خلال سيطرتهم على ميناء الحديدة ملايين الدولارات شهريًا، عبر الجمارك غير الرسمية والجبايات على السفن والبضائع.
وتقدر تقارير حكومية ودولية أن الحوثيين يجنون ما يتراوح بين 1.5 إلى 2.5 مليار دولار سنويًا من موانئ الحديدة فقط، من عوائد الجمارك والوقود والرسوم، والإتاوات"، والتي تذهب لتمويل المجهود الحربي للمليشيا.
بالتالي فإن التحذير الأميركي يهدد هذه الإيرادات (اقتصاد الحرب) عبر، إخافة التجار المحليين والدوليين من المرور عبر الميناء وتقييد شحنات النفط والمساعدات القادمة عبر الحديدة
كما يشمل تعريض الشركات اللوجستية والملاحية للمساءلة في حال تعاملت مع الحوثيين، وهو ما يعني زيادة العزلة الاقتصادية للمناطق الخاضعة لهم. كما يُمكن قراءة التحذير الأميركي أيضًا كـ"ضغط غير مباشر" على الأمم المتحدة، التي ما تزال تشرف على ترتيبات تفتيش السفن في البحر الأحمر (آلية UNVIM)، وتتعامل بحذر مع سلطة الحوثيين على الميناء.
وربما تسعى واشنطن من خلال هذه الرسائل إلى إعادة النظر في المنظومة الدولية التي تتعامل مع الحديدة كميناء إنساني، دون محاسبة الجهات التي تستغله عسكريًا واقتصاديًا، خاصة بعد تقارير عن مسؤولية منظمات أممية ودولية في تمويل مليشيات الحوثيين.
ومؤخرا قالت مجلة ناشيونال انترست الأميركية في تقرير لها، إنه وعلى مدى عشر سنوات، تحول الحوثيون إلى منظمة ممولة بشكل غير مباشر من المساعدات الإنسانية، ومدعومة عسكريًا بوقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة، ومُطبّعة سياسيًا من خلال المبادرات الدبلوماسية.
وأضاف التقرير، أن تمويل حركة الحوثيين كان مستمدًا، جزئيًا، من نموذج المساعدات الإنسانية الدولية، الذي أصبح أحد أكبر مكونات الناتج المحلي الإجمالي لليمن. واستمرت رسوم العبور التي تفرضها ميليشيات الحوثي، مشيرا إلى أن ميناء الحديدة كان نقطة دخول 80 في المائة من المساعدات الإنسانية ومصدرًا رئيسيًا لتمويل الحوثيين.
وأكدت المجلة الأميركية، أن المجتمع الدولي مسؤول عن تعزيز نمو هذا الخطر السرطاني. وهو الآن مسؤول عن الإشراف على إزاحته عن السلطة، وتحرير الشعب اليمني الذي احتجزه الحوثيون كرهائن منذ سبتمبر 2014.
تأثير التحذير على الحوثيين
التحذير الأميركي من التعامل مع الموانئ الخاضعة للحوثيين، وعلى رأسها ميناء الحديدة، يُوجّه ضربة مباشرة لركيزة أساسية من ركائز التمويل التي تعتمد عليها الجماعة الإرهابية والتي ويمكن تخليصها على النحو التالي:
خسارة مصدر رئيسي للعملات الأجنبية: ميناء الحديدة يُعدّ المعبر الأهم لدخول السلع الأساسية والوقود إلى مناطق سيطرة الحوثيين. الجماعة تفرض جمارك ورسوم غير قانونية على التجار، وتجني عائدات ضخمة بالعملة الصعبة من عمليات الشحن والتفريغ، والضرائب المفروضة على السلع المستوردة.
تراجع في نشاط السوق السوداء للوقود: أحد أبرز مصادر دخل الحوثيين هو الاتجار بالوقود القادم من الحديدة، حيث يُعاد توزيعه وبيعه بأسعار مرتفعة في السوق السوداء داخل مناطقهم. إذا التزمت الشركات الدولية بالتحذير الأميركي، وتراجعت واردات النفط عبر الحديدة، فإن الحوثيين سيفقدون مصدرًا استراتيجيًا يمول عملياتهم العسكرية والمدنية.
صعوبة أكبر في تمويل المجهود الحربي: تستخدم الجماعة جزءًا من هذه الإيرادات لتمويل الجبهات، شراء الأسلحة (عبر التهريب)، ودعم الآلة الإعلامية والدعائية. أي تقليص في الدخل الناتج من الموانئ يعني ضغطًا على قدرتهم على الصرف على مقاتليهم ورواتب الأجهزة التابعة لهم.
تأثيرات غير مباشرة على النظام الضريبي والجبايات: بسبب شح الموارد، قد تلجأ الجماعة إلى زيادة الجبايات على المواطنين والتجار المحليين لتعويض الفاقد، ما قد يؤدي إلى استياء شعبي وتصاعد التوترات الداخلية، خصوصًا مع التدهور الاقتصادي العام في مناطق سيطرتهم.
تعقيد شبكات التهريب والتمويل غير المشروع: التحذيرات الأميركية تستهدف أيضًا الجهات الدولية التي قد تتورط – عن قصد أو غير قصد – في تمويل الحوثيين من خلال المعاملات التجارية. هذا يُصعّب على الجماعة استخدام شركات وسيطة أو غطاء إنساني لتحريك الأموال، ما قد يؤدي إلى تجميد أصول، حظر شركات، أو حظر دخول أفراد إلى النظام المالي العالمي.
وإذا ما تم تطبيق التحذير الأميركي بصرامة من قبل الشركاء الدوليين والتجار، فإن الحوثيين قد يواجهون، انخفاضًا كبيرًا في الإيرادات لكن في المقابل، قد يدفعهم ذلك إلى البحث عن طرق بديلة للتمويل، عبر الابتزاز المحلي، أو تكثيف التهريب، أو التصعيد العسكري لخلط الأوراق.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك