دخل الاتفاق بين الإدارة السورية الجديدة، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، المبرم في مارس/آذار الماضي، الموقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، في مهب التجاذبات السياسية التي طفت على سطح الأحداث في البلاد. يأتي ذلك بعد صدور وثيقة من قوى سياسية سورية كردية رأت دمشق أنها تهدد وحدة البلاد ولا تتماشى مع مضامين اتفاق الشرع وعبدي أخيراً، والذي كان الهدف منه تجنيب البلاد دورات عنف جديدة.
واتهمت الرئاسة السورية، "قسد" بعدم الالتزام ببنود اتفاق الشرع وعبدي. وأشارت في بيان أول من أمس الأحد، إلى أن التصريحات الصادرة أخيراً عن "قسد" تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق و"تهدد وحدة البلاد وسلامة ترابه". كما أكدت الرئاسة رفضها القاطع "أي محاولات لفرض واقع تقسيمي، أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية، أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل"، مشددة على أن وحدة سورية خط أحمر، وأي تجاوز لذلك يعد خروجاً عن الصف الوطني ومساساً بهوية سورية الجامعة. وأوضحت أنه لا يمكن لقيادة "قسد" أن تستأثر بالقرار في منطقة شمال وشرق سورية، محذرة من تعطيل عمل مؤسسات الدولة السورية في المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، وتقييد وصول المواطنين إلى خدماتها واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة.
نظام لامركزي
وحمل البيان نبرة حادّة لأول مرة تجاه هذه القوات وقوى سياسية سورية كردية دعت بعد اجتماع عقدته، يوم الجمعة الماضي، في القامشلي إلى إقرار دستوري بوجود قومي للأكراد، وضمان حقوقهم دستورياً، وتوحيد المناطق الكردية بوصفها وحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية. كما طالبت تلك القوى بنظام حكم برلماني في سورية يتبنى التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات، ويعتمد مجالس المناطق في إطار النظام اللامركزي. وكان لافتاً مطالبة المجتمعين بـ"توحيد المناطق الكردية بوصفها وحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية"، وهو ما يُنظر إليه على أنه شكل من أشكال التمهيد لتقسيم البلاد. كما طالبوا بـ"تشكيل هيئة دستورية برعاية دولية تضم ممثلي كافة المكونات السورية لصياغة مبادئ ديمقراطية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري ومكوناته بصلاحيات تنفيذية كاملة"، في نسف واضح للإعلان الدستوري الذي أعلنته الإدارة السورية، منتصف الشهر الماضي.
ونص اتفاق الشرع وعبدي على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي. كما نص على "رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري"، و"ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وجميع مؤسسات الدولة، بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية". وشُكلت بالفعل لجان متخصصة للتفاوض في كل الملفات لتمهيد الطريق أمام استعادة الدولة السورية السيطرة على الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه "قسد"، ووضع حد لمحاولات حثيثة لفرض واقع يفتح الباب أمام مشروعات لتقسيم البلاد. ولكن يبدو أن اتفاق الشرع وعبدي بات في مهب تجاذبات سياسية حادة بين الإدارة السورية الجديدة والقوى الكردية.
ويشي البيان الذي أصدرته الرئاسة السورية إلى أن دمشق تشكك في جدية "قسد" بالمضي في تنفيذ بنود الاتفاق على ضوء المطالب التي أعلنت عنها القوى السياسية الكردية الجمعة. وتبدو القوى السياسية الكردية، خصوصاً حزب الاتحاد الديمقراطي وهو المسيطر على "قسد"، والمجلس الوطني الكردي، تتمرس خلف هذه المطالب، لا سيما لجهة المطالبة بنظام لامركزي. وترفض دمشق نظاماً لامركزياً وتعده خطوة واسعة باتجاه شرذمة البلاد على أسس عرقية وطائفية، وتطرح بالمقابل فكرة المواطنة الكاملة لكل السوريين بغض النظر عن العرق والدين والمذهب "دون الحاجة لأي تدخل خارجي أو وصاية أجنبية". وجرى تنفيذ عدة اتفاقات فرعية عن اتفاق الشرع وعبدي الأساسي، فـ"وحدات حماية الشعب" الكردية انسحبت أخيراً من حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب بعد ترتيبات مع الأمن العام في المدينة. كما توصل الطرفان لتفاهمات تخص سد تشرين على نهر الفرات في ريف منبج، فضلاً عن استمرار التفاوض حول ملف التعليم والنفط. ورغم مرور أكثر من 40 يوماً على توقيع الاتفاق، إلا أنه لم تحدث حتى اللحظة اختراقات مهمة خصوصاً في الملفات الأكثر أهمية من قبيل دمج "قسد" في الجيش السوري وتسليم المعابر والسجون وموارد النفط.
صمود اتفاق الشرع وعبدي
لكن الباحث السياسي المقرب من الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، إبراهيم مسلم، رأى في حديث له أن اتفاق الشرع وعبدي "غير معرض للانهيار"، مضيفاً أن "الجانبين يحتاجان هذا الاتفاق". وأوضح أن "دمشق بحاجة إلى قسد لتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تحتاج قسد إلى الاتفاق لتخفيف حدة التهديد التركي". وبرأيه هناك "سوء قراءة" للوثيقة التي صدرت عن اجتماع القوى الكردية في القامشلي، مضيفاً أن "الوثيقة أكدت على وحدة سورية. كل طرف من حقه طرح رؤيته لسورية المستقبل والإجماع الوطني هو من يحدده. أعتقد ان ما جاء في الوثيقة يتوافق مع مضامين اتفاق الشرع وعبدي". وحظي الاتفاق بين الإدارة السورية و"قسد" برضى إقليمي ودولي، فالولايات المتحدة دفعت الجانبين إلى ردم هوّة الخلاف بينهما وحسم مصير الشمال الشرقي من سورية سلماً، وتجنّب الحلول العسكرية. وبعد إبرام الاتفاق بدأت واشنطن بسحب جانب من قواتها المتمركزة في شمال شرق سورية.
وفي هذا الصدد، رأى القيادي في المجلس الوطني الكردي، شلال كدو، في حديث له، أن "اتفاق الشرع وعبدي سيستمر"، معرباً عن اعتقاده أن معظم بنوده ستطبّق "لكونه أبرم بإشراف أميركي وموافقة تركيا ورضى عربي وإقليمي ودولي واسع". لكنه لفت إلى أن الاتفاق يواجه عدة تحديات في طريق تنفيذه فـ"الملفات كثيرة ومعقدة ومتشابكة بين الطرفين سواء كانت عسكرية أو إدارية أو مالية أو ما يتعلق بمصادر النفط". لكن أبرز تحد، وفق كدو، هو "مخرجات مؤتمر (اجتماع القوى الكردية) وحدة الصف الكردي، فحكومة دمشق أبدت امتعاضها الكبير والشديد من هذا المؤتمر ومخرجاته". وبرأيه "ربما يكون هذا البيان أو هذه الرؤية السياسية المشتركة الذي صدر عن المؤتمر يشكل عائقاً أمام تنفيذ هذا الاتفاق، ولكنني أعتقد أنه سيجد طريقه إلى النور شيئاً فشيئاً". وباعتقاده "هناك مصلحة مشتركة للطرفين اللذين وقّعا على هذا الاتفاق"، مضيفاً أن "قسد يجب أن يندمج في النهاية مع وزارة الدفاع السورية ولا بد للسلطات السورية الجديدة أن تعمل على احتوائها كونها قوة عسكرية كبيرة وربما أكبر من الجيش السوري الجديد، ومدعومة أميركياً وشعبياً في المناطق الشرقية وبالتالي لا مناص من تنفيذ هذه الاتفاقية".
أما المحلل السياسي فريد سعدون، فقال في تصريح له، إن اتفاق الشرع وعبدي "عسكري أكثر من كونه سياسياً"، مضيفاً أنه "لا بد من تنفيذه لتجنّب أي صدام يمكن أن تستغله جهات متطرفة". ولفت إلى أن ما تم التوصل إليه في حلب وسد تشرين يؤكد أن الجانبين بصدد تنفيذ الاتفاق. وأضاف: "لا أعتقد أن الحكومة في دمشق ستغامر بدخول حرب مع قوات قسد في ظل وجود القوات الأميركية في البلاد"، مشيراً إلى أن القوى الإقليمية والدولية "لا ترغب بالفوضى في سورية، لذا ستلعب دوراً إيجابياً في تنفيذ اتفاق دمشق مع الجانب الكردي". وبرأيه فإن المطالب الكردية خاضعة للتفاوض في دمشق.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك