تمر العلاقات المصرية الأميركية في الوقت الراهن بحالة أزمة غير مسبوقة منذ أن قامت على أسس التبعية أواخر السبعينيات، إثر تفضيل النظام المصري في ذلك الحين أن يقوم بعملية تسوية مع إسرائيل تُجمِّد أوضاع الصراع العربي الإسرائيلي، وتضع القضية الفلسطينية قيد الارتهان لعقود طويلة.
وكانت مرحلة ثورة 25 يناير 2011 في مصر وما بعدها فرصة شديدة الأهمية لمراجعة العلاقات المصرية الأميركية، وهي مرحلة جاءت في ظل إدارة أميركية متعثرة في خطواتها، ويصفها الكثيرون بالفشل.
ويرصد هذا الكتاب تطورات العلاقات الرسمية بين واشنطن والقاهرة والتي سارت على عكس توجهات الرأي العام في مصر.
ويقول المؤلف "براونلي" في مقدمة الطبعة العربية للكتاب إن مؤلَّفَه هذا تم استكماله مطلع 2012، ويأخذ في مقدمته هذه الكثير من المآخذ على أداء الكونغرس ووزارة الخارجية بواشنطن، والإدارة الأميركية بشكل عام، في الطريقة التي تعاطت بها مع ثورة 25 يناير.
ويؤكد أنه كانت هناك نكوصات عدة من جانب الولايات المتحدة على ما تعلنه من دعمها للحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان عبر العالم، عندما تقاعست عن دعم الثورة في مصر، وبدا الموقف الأميركي مضطربا وباهتا -كما يصفه الكثيرون- مما كان يجري في مصر في ذلك الحين.
الفصول الخمسة للكتاب تناولت أكثر القضايا جدلية في العلاقات المصرية الأميركية، وكيف أدت هذه القضايا -التي تمس صميم مصالح الولايات المتحدة الحيوية بالشرق الأوسط- وإيثار واشنطن لمصالحها على حساب مسيرة الحريات والديمقراطية في مصر، إلى نتائج سلبية عليها.
وفي هذا الإطار، يقول المؤلف إنه بدلا من تعزيز الديمقراطية بطريقة تدريجية، تعاون الطرفان (واشنطن والأنظمة المتعاقبة في مصر قبل ثورة يناير) في تأسيس دولة بوليسية استبدادية في مصر تخدم أجندة الولايات المتحدة بالمنطقة التي تتركز حول تحقيق أمن إسرائيل والحفاظ على الهيمنة الأميركية بالخليج العربي.
ومن بين أهم القضايا التي ركز عليها الكاتب بهذا الإطار قضية المعونة الاقتصادية والعسكرية الأميركية لمصر بعد اتفاقية السلام التي وقعتها القاهرة مع إسرائيل عام 1979، حيث يشير الكاتب إلى أن المعونة تُعتبر من بين أهم الأعمدة التي دعمت نظامَيْ الرئيسَيْن السابقَيْن أنور السادات وحسني مبارك.
الفصلان الأول والثاني تناولا قضيتَيْن مهمتَيْن كانتا حاكمتَيْن للعلاقات المصرية الأميركية في العقود الأربعة الماضية.
يؤكد المؤلف أن هناك نكوصات عدة من جانب واشنطن عما تعلنه من دعمها للحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان عبر العالم، منها تقاعسها عن دعم ثورة مصر واضطراب موقفها مما يجري هناك منذ ذلك الحين
القضية الأولى هي السلام في الشرق الأوسط، أو بمعنى أدق ضمان أمن إسرائيل، وتناولها الفصل الأول الذي كان بعنوان "السلام قبل الحرية". وتناول التحولات التي طرأت على العلاقات المصرية الأميركية في عهد السادات.
ويقول الكاتب إن الولايات المتحدة في تلك المرحلة فضلت دعم مسيرة التسوية بين مصر وإسرائيل، مقابل غض الطرف عن التجاوزات التي جرت من جانب نظام السادات على مسيرة الحريات والديمقراطية التي كانت قد بدأت في مصر في تلك المرحلة.
وكانت قضية الحركة الإسلامية في مصر حاكمة في هذا الإطار، حيث كان تحول نظام السادات عن خططه للتحول الديمقراطي في مصر، على إثر دخوله في خلافات كبيرة مع التيار الإسلامي، بعد زيارته لإسرائيل واتجاهه لتوقيع معاهدة سلام معها.
القضية الثانية هي محاربة ما تطلق عليه الولايات المتحدة مصطلح "الإرهاب" وتناولها الكاتب في الفصل الثاني الذي كان بعنوان "حرب مبارك على الإرهاب".
فالعامل المشترك بين القضيتين الأولى والثانية هو التيارات الإسلامية في مصر، فمكافحة ما يوصف بالإرهاب ترتب عليها المزيد من تكريس أوضاع الدولة السلطوية القمعية في مصر، حيث إن حاجة الولايات المتحدة إلى دعم النظام المصري السابق في حربها على الجماعات الجهادية، وضد الصحوة الإسلامية العالمية، وخصوصا في الشرق الأوسط، خاصة بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2011، جعلتها تتغاضى عن استبداد نظام مبارك وفساده، وتتعاون معه في الكثير من الأحيان.
ويقول الكاتب عن عهد مبارك في العلاقات المصرية الأميركية إن مصر ظلت شريكا إستراتيجيا لواشنطن في الوقت الذي عملت الولايات المتحدة فيه على ضمان أمن إسرائيل ودعم حلفائها من مُصدري النفط في الخليج العربي.
ويشير إلى أنه على الرغم من عدم مشاركة القاهرة في عمليات قتالية مع القوات الأميركية، باستثناء عمليتَيْ درع الصحراء وعاصفة الصحراء ضد عراق صدام حسين، فإن نظام مبارك قدَّم معلومات استخباراتية لواشنطن كما قدم تسهيلات للبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) من أجل نقل القوات من عرض البحر المتوسط إلى الخليج العربي عبر قناة السويس.
وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وعندما كانت القوات الأميركية تقاتل في أفغانستان والعراق، سمحت مصر للطائرات الأميركية بالتحليق فوق أراضيها بمعدل عشرين إذنا للطيران يوميا عام 2005.
وأشار إلى أنه لم يعرقل التعاون الإستراتيجي بين البلدين نشوب توترات بين البلدين بين الحين والآخر، على غرار ما حدث منتصف الثمانينيات وسنوات الألفية.
ونقفز هنا مباشرة إلى الفصل الرابع الذي يتصل بذلك اتصالا مباشرا، وكان بعنوان "مراقبة غزة" حيث كانت هذه أحد أهم المجالات التي تعاون فيها نظام مبارك مع الولايات المتحدة.
ويتقاطع ملف غزة في أكثر من نقطة مع القضايا السابقة التي يتناولها التعاون المصري الأميركي، فالأوضاع في القطاع بعد وصول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى سدة الحكم بعد انتخابات 2006 التشريعية كانت تنذر بقلق كبير بالنسبة لملف الأمن القومي الإسرائيلي، وكذلك مكافحة "الإرهاب" أو بمعنى أدق محاربة الإسلام السياسي في المنطقة.
ورصد الكاتب في هذا الإطار كيف شهد التعاون الاستخباري والسياسي المصري الأميركي في هذا المجال تناميا وثيقا، كانت له أولوية على ملفات الإصلاح في مصر.
نعود هنا إلى الفصل الثالث "معضلة الخلافة السياسية" وتناول القضية الأهم التي تخص الواقع السياسي المصري بعهد مبارك، وهي من سيلي مبارك في الحكم.
ويلخص الكاتب فيه موقف واشنطن من الأوضاع السياسية بمصر خلال عهد مبارك فيقول: إنه في حين أيد بعض المسؤولين الأميركيين إجراء إصلاحات سياسية بمصر، إلا أنهم كانوا يؤكدون ضرورة محدوديتها، بينما رأى البعض الآخر أن فتح الباب أمام الإصلاح -وخصوصا بصورة مفاجئة أمام المشاركة الشعبية- ربما يؤدي إلى وصول شخصيات غير معروفة إلى سدة السلطة، وهو ما يمكن أن يهدد التعاون الإستراتيجي بين البلدين.
وأشار إلى أنه لذلك لم يرغب أي رئيس أميركي في أن تتحول مصر إلى إيران ثانية، سواء عن طريق الانتخابات أو عن طريق الثورة، معتبرين في واشنطن أن أي تغيير يأتي بخيار شعبي -وخصوصا قومي- ولو كان بديلا معتدلا، فسوف يمثل تهديدا للدعم الإستراتيجي الذي تقدمه مصر للولايات المتحدة.
"
من المدهش أن المسؤولين الأميركيين سعوا للحفاظ على التعاون الأمني مع القاهرة حتى في اللحظة التي أصبحت فيها سياسة تعزيز الديمقراطية أحد أهم أركان السياسة الخارجية بعهد بوش الابن
"
ولذلك، فإن الولايات المتحدة كانت على استعداد للترحيب بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وفتح الباب أمام الإصلاح السياسي في مصر "شرط الحفاظ على استقرار البلاد، وكبح جماح القوى التي تصفها واشنطن بالمتطرفة".
ويقول الكاتب إنه من المدهش أن المسؤولين الأميركيين سعوا للحفاظ على التعاون الأمني مع القاهرة، حتى في اللحظة التي أصبحت فيها سياسة "تعزيز الديمقراطية" أحد أهم أركان السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن.
وحتى عندما حاول المشرعون الأميركيون وضع شروط على المساعدات العسكرية لمصر عام 2007 فإن هدفهم -وفق الكاتب- لم يكن الضغط على مبارك من أجل تغيير طبيعة نظامه الاستبدادي، وإنما كان الهدف هو دفعه إلى تطوير تعاونه مع إسرائيل والتي كان هدفها الرئيسي إضعاف حركة حماس في قطاع غزة.
الفصل الخامس كان بعنوان "الطوفان العارم" وتناول فيه مرحلة ثورة يناير وإرهاصاتها، وكيف سارت في سياقاتها العلاقات المصرية الأميركية.
ويستغرب الكتاب نجاح ثورة يناير في مصر، بالرغم من أن نظام مبارك كان على درجة كبيرة من الثبات على الأرض، كما كان يحظى بدعم كبير من الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة.
ويقول إن العامل الأهم الذي أدى إلى إنجاح الثورة المصرية هو تغلب المحتجين على قوات الأمن، وإجبارهم للنخب السياسية -في كل من القاهرة وواشنطن- على إعادة تقييم موقفهم من تأييد مبارك.
ولكنه يشير إلى أن الإستراتيجيات التي تبنتها المؤسسة العسكرية المصرية بعد ذلك أدت إلى تحجيم النجاحات التي حققتها ثورة يناير.