من الواضح تماماً لكل ذي بصر وبصيرة أن بلادنا لا تمر –كما يقول البعض- بمأزق، ولا تمر-كما يقول آخرون- بأزمة، أنها تعاني مما هو أكبر من مأزق أو أزمة، إنه المستنقع الدموي الذي أوقعتها فيه الخلافات والتهورات ومشاعر الاستعلاء واعتماد الإقصاء للمكونات الفاعلة.
والسؤال هو : كيف الخروج من هذا المستنقع الدموي وإيقاف الخسائر في الأرواح؟ وبين يدي أكثر من مشروع تقدمت بها بعض الأحزاب وبعض التجمعات، وكلها تنفع لتكون رداً على السؤال المطروح، لكن الواقع وما يسود الحياة العامة في البلاد من اضطرابات ومن مشاعر الإحباط والخوف يكاد يقول إن الحالة الراهنة لا تنقصها الحلول والمشاريع الهادفة إلى إعادة الأمان والاستقرار، وإنما إقتناع القوى الفاعلة والمتصارعة بأن الحل ممكن وأن ما حدث إلى هنا يكفي، وأن الاستمرار في التضحية بالأبرياء وتدمير ما تبقى من البنى التحتية سيجعل المستنقع الدموي يتسع ويجعل الهوة السحيقة بين أبناء الوطن تزداد وتتمدد عرضاً وطولاً.
إن الوضع الراهن يقتضي حالة من الشعور والإحساس بالخطر الذي يدهم الجميع، ويطال الكيان الوطني التاريخي كله، وهو ما يقتضي أيضاً استدعاء، أقصى معاني الإخلاص والولاء لوطن في مهب الريح، والمسارعة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النسيج الاجتماعي الوطني الذي أصبح عرضة للتفكيك وللتفتيت كما لم يحدث في أي فترة من فترات تاريخه المليء بالإشكاليات والانقسامات، ولكي تبقى البلاد ويتوقف تآكلها الداخلي فإنها بحاجة إلى عقول كبيرة مستنيرة تعرف كيف تدير الأزمات وتحتكم إلى قواعد اللعبة السياسية بعيداً عن التمويه والالتواء وتجاوز الاستحقاقات التي كان غيابها أو تجاهلها سبباً في الوصول إلى هذه الكارثة وما سبقها ورافقها من غياب تام للعقل ومن اندفاع وراء الرغبة في الانتقام ليس من أشخاص بعينهم ولا من فئات محددة وإنما من الوطن بأكمله ومما كان يجمع بين أبنائه من أواصر الأخوة والمواطنة.
كذاب هو ومراوغ من يقول إن الجرح الدامي الذي يعاني منه الوطن هو جرح على سطح الجلد، إنه جرح غائر في الأعماق، ولكن صدقوني إن علاج هذا الجرح الغائر العميق لن يكون عسيراً إذا توفرت النوايا الحسنة والإرادة لدى القيادات المتصارعة واعترفت بالأخطاء التي قادتها وقادت البلاد إلى هذا الموقف الذي لا يسر صديقاً ولا حاسداً، ومن دون هذا الاعتراف والقبول بالآخر والاقتناع بأن فصيلاً سياسياً لن يستطيع أن يقود البلاد حتى لو وقفت معه دول العالم أجمع، وهذا يعني الموافقة على مبدأ الشراكة والعيش المشترك كما نصت عليه كثير من المقترحات والمشاريع التي تم التوقيع على بعضها. لقد انتهى عصر الإنفراد بالسلطة لحزب أو جماعة، وأية محاولة لتكريس هذا المفهوم الشمولي المنتهي تحت أي عنوان أو صيغة لن تنجح سوى في زيادة المعاناة وتوسيع دائرة الخلافات والتشظيات، وفي الدرس الراهن ما يدفع الجميع إلى القبول بالتصالح والتعايش وفق قواعد تحفظ للبلاد وحدتها وأمنها واستقرارها وتجعل المواطنة واقعاً ثابتاً لا كلاماً في الخطب والجرائد.
ولا مفر من الوقوف طويلاً عند الهوة السحيقة المشار إليها سابقاً والتي باتت تفصل بين المواطنين وبعضهم في حالة لم يسبق لها مثيل في تاريخ هذا الشعب، وهي وثيقة الصلة بما جرى ويجري في الداخل والخارج وما يصدر عن الجميع من تصرفات افتقدت الحكمة وتجاوزت الشعور بالمسؤولية، وهو ما ينبغي على القيادات والمكونات السياسية التنبه له واستعادة هذه المكونات للمبادئ والبرامج التي قامت عليها، والبدء بحملة توعية وطنية وأخلاقية تعيد التوازن إلى بعض النفوس التي أفقدها الوضع الراهن توازنها الوطني والأخلاقي.
تأملات شعرية:
لا تتركوا الأمر للريح
تمضي بكم يارجال البلاد
إلى حيث يرجو لكم
أحقد الحاقدين.
افتحوا ثغرةً في جدار الخلافات
للنور
كيما تذكركم
أنكم أخوةً في اليسار
كما في اليمين.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك