لا يكاد يسمع الواحد منا عن اليمن إلا وتتقافز اسم "تعز" إلى الأسماع، ذلك أنها تكاد تحتوي كل اليمن ، وتستوعب كل الأطياف في بؤتقة واحدة ، يتآلف فيها كل الأضداد ، ويرسم الاختلاف فيه لوحته المميزة التي تأتي بكل الألوان، فتعز هي العقل الجمعي لليمن الذي يحلم بدولة النظام والقانون ، دولة المؤسسات، الدولة المدنية الحديثة ، ولأن الحلم ما زال متقدا في عقول وألباب أبنائها فهي تسمى "المدينة الحالمة"، وهو الحلم الذي لا ينتهي مسار أطيافه .
هي مدينة تحتوي كل إبداعات اليمن ، فالفنان من تعز وكذلك الشاعر والسياسي والصحفي والطبيب والتاجر والعامل والمهندس والطالب والمعلم ، وهذا التنوع الخلاق يضيف إليها العديد من المزايا التي تجعلها تتربع في المقدمة دوما ، وتتقدم في كل استحقاق .
لقد كان لتعز دورها الرائد في ثورة 11 فبراير التي أطاحت بصالح ، فهي الشرارة وهي الساحة التي احتوت الثوار ، وهي الفكرة التي انطلقت منها أهداف الثورة ومبادئها ، فقد كانت ساحة الحرية هي المعلم الرئيسي لثورة الشعب السلمية ، ومنها تم صياغة حلم اليمنيين بالدولة المدنية والديمقراطية الحديثة ، أي أن تعز هي من حولت الفكرة إلى ثورة وهي تسطر أروع ملاحم النضال السلمي ، فأنهكت بصمودها القتلة وأشعلت جنونهم ليشعلوا ساحتها بنار أحقادهم في جريمة بشعة لم يشهد لها تاريخ اليمنيين مثيلا ، وخرجت المدينة الحالمة من كل ذلك وهي تبتسم وتلوح بعلامة النصر، فبقت تعز وذهب المخلوع صالح إلى مزبلة التاريخ .
وكما أتقنت تعز فلسفة النضال السلمي ، فقد أتقنت أيضا فنون الكفاح المسلح وهي تحمل البندقية دفاعا عن شرفها وأرضها وعرضها في مواجهة المليشيات الحوثية والعفاشية التي أرادت النيل من هذه المدينة ، وعلمت الغزاة درسا مفاده أن من يحمل القلم هو بالضرورة يتقن حمل السلاح لكن حين يكون لا مفر من حمله ، فالمدينة الحالمة تصدرت المشهد المقاوم أيضا كمفردة تختصر كل معاني الرجولة والبطولة والإباء .
تعز في مواجهة أعداء النور أذابت كل الانتماءات الضيقة لأبنائها ، وجعلتهم لا ينتمون إلا إليها وإلى حلمها في الانتصار للدولة والانتصار للنظام والقانون ، فحمل الجميع سلاحهم تحت رأية واحدة ، وأتقنوا القتال وأبهروا وأدهشوا ، وسطروا ملاحم الفجر التي نسجت خيوط الشمس من وسط الظلام.
ولقد مثلت تجربة فريدة في رسم لوحة التجانس بين أبطالها الميامين فـ عدنان الحمادي يصافح الشيح حمود سعيد ، ونبيل الواصلي يحتضن صادق سرحان ، وعارف جامل يمشي كتفا بكتف مع الشراجي ، ويجتمع الاشتراكي والسلفي والقومي والاخواني للدفاع عن قضية واحدة وأمل واحد ، وتظهر تعز من جديد في ريادتها لمشهد المقاومة من خلال استبسال شبابها المقاوم الذي أثبت أنه يجيد حمل السلاح كما يجيد حمل القلم .
فتعز هي حاضنة الحركة الوطنية اليمنية في التاريخ الحديث والمعاصر ، فمنها انطلقت طلائع ثورتي سبتمبر وأكتوبر ، كما أنها احتوت الثوار ومثلت المنهل الفكري لهم ولأهدافهم التنويرية التي شع ضياءها في كل اليمن .
تتحرك تعز فتتحرك من خلفها بقية المدن، كأنها الملهمة والقائدة والرائدة دون سواها ، وهي أيضا قلب اليمن النابض بمقاييس التاريخ والجغرافيا في نفس الآن ، ولهذا بات على الجميع أن يدرك أن تحرير اليمن يبدأ من تحرير تعز .
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك