أين الرئيس هادي من كل هذا الذي يجري في البلاد؟.. هذا السؤال يفرض نفسه في اليوم ملايين المرات على ألسنة الرجال والنساء.. تصرخ به الأرامل واليتامى الجدد الذين انضموا إلى قوائم أمثالهم.. يصرخ به بملء فمه الجندي الذي يقتل في حضرموت والبيضاء وشبوة وإب والحديدة، ولا يجد دولة ولا وزارة دفاع تهتم به، وقصارى ما تفعله في بعض الحالات له: جنازة رسمية يصورها التلفزيون!
لا نقول فقط: أين الرئيس من هذا الذي جرى منذ سيطرة الحوثيين على عاصمة حكمه والمؤسسات السيادية فيها؛ ولكن مما يجري الآن في الحديدة وذمار وإب والبيضاء من حروب ودمار، وانفراط متسارع لبقايا الدولة لمصلحة مشاريع سياسية أخرى أقل بكثير من الوطن اليمني!
صحيح إن البلاد تشهد غرائب وعجائب من صور تحلل بقايا الدولة؛ لكن يبقى أن الأغرب من كل ذلك هو موقف الرئيس هادي (الصامت الرهيب) إلا من عبارات وتصريحات لا تغني من خوف ولا انهيار مستمر.. وإلا من تهانٍ وتعزيات لا تتوقف يوماً واحداً وكأن الدولة قامت بكل ما عليها أو بواجبات الوقت ولم يبقَ إلا الشكليات (أقترح بمناسبة الظروف الراهنة أن تختتم التعازي بعبارة: أنتم السابقون ونحن اللاحقون)!
قبيل العيد قيل إن الرئيس هادي اتصل ببعثة الحج اليمنية ليطمئن على أوضاع الحجيج! ولو كان محقاً في قلقه لتجول في العاصمة – أو أجرى اتصالات هاتفية عشوائية مع المواطنين- ليطمئن عل أوضاع أهلها لا الحجاج الموجودين في أحسن حال وأمان.. وربما فكر كثيرون منهم في وسيلة تجعلهم لا يعودون إلى بلاد صاحب الاتصال!
وخاتمة الغرائب حدثت عندما استقبل هادي خالد بحاح المكلف بتشكيل الحكومة، فقد حثه على سرعة تشكيل الحكومة؛ قبل أن يؤدي اليمين الدستورية أمامه ويصير رئيساً شرعياً للوزراء؛ وكأنه هو المتسبب في التأخير.. وكأن هو القادر على فرض التشكيلة وليس الذين يحكمون حقاً أو صورياً! ولم يكن ينقص إلا أن يطالبه بأن يحترم مسؤولياته ويسارع باستعادة الأمن وبسط سيطرة الدولة في كل مكان!
لا أدري هل ابتسم بحاح في سره وهو يستمع للرئيس يحثه على السرعة.. أو إنه رد عليه بدهاء: وليش العجلة يا فخامة الرئيس.. جت عليّ إلا أنا؟
****
الأمن أيضاً بشرنا قبل العيد أنه وضع خطة أمنية في العاصمة.. أي بعد خراب مالطا، فكان الأمر كما يقول المثل "ديّروا يريم بعد ما نهبت!".. أي حصنوها في الوقت الضائع.. وبالمثل لم تنسَ برقية التهنئة الرسمية للجيش والأمن بالعيد أن تؤكد للقيادة السياسية على استعدادهم لأداء الواجب، وحماية الوطن وسيادته واستقراره! وطوال أسبوع العيد والقادة العسكريون والأمنيون يزورون المناطق العسكرية والمعسكرات والمستشفيات في كل مكان تهنئة بالعيد السعيد، وتأكيداً على التزامهم بواجبهم في تقديم الخدمات الأمنية بكل همة وعزيمة واقتدار!
والأظرف أن أعضاء اللجنة الأمنية قبل يومين لم ينسوا أن يجددوا قرار حظر حركة الدراجات النارية في العاصمة بوصفها أساس الشر في المدينة (عقبال الدوريات المسلحة!) وليس ما يتعرض له المواطنون من مضايقات وعمليات مداهمة لمنازلهم!
المؤكد أيضاً أن رجال المرور ما يزالون يسجلون المخالفات على السيارات المخالفة لقانون المرور؛ رغم أن هناك عشرات السيارات التي تتجول في العاصمة بدون أرقام وعليها مسلحون! ورغم أن كل شيء فيها تقريباً مخالف للقانون والدستور.. أو على رأي مواطن شاهدته دخل بسيارته في طريق معاكس.. فلما صرخت فيه: يا مخالف.. ردّ عليّ ساخراً وهو يشير بيديه: "صنعاء كلها مخالفة.. ما عاد جت إلا عليّ!".. وللأمانة كان هذا قبل فترة طويلة وليس الآن؛ وإلا لربما ردّ عليّ وهو يخرج لسانه: ليش صدقت الخطة الأمنية حق العيد؟ أو ربما رفع صوته: الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل!
هذه المظاهر السريالية لا تقتصر على الناحية الأمنية؛ فالإعلام لا يخلو من أخبار الندوات والحلقات النقاشية في المجالات الإعلامية السياسية والحكم الرشيد، والفيدرالية! وحتى التموين يقولون إنه ما يزال يلاحق المخابز المخالفة للقانون المتلاعبة بأوزان الخبز ويأمر بإغلاقها.. وكأن البلد ما فيهاش دولة تدافع عن المواطن وتحميه من الشر والأشرار!
****
ولأننا شعب يمني واحد؛ فهذا الاحتفال بذكرى ثورة 14 أكتوبر في عدن وحضرموت كان هو الآخر سريالياً كما لاحظ كثيرون، ولم ينقصه الوعي المزيف والجهل بتاريخ الجنوب (الأستاذ نجيب قحطان الشعبي يستخدم في وصف ذلك أوصافاً شديدة على طريقته في التعبير) الذي هو أبرز ملامح دعوة الانفصال وفك الارتباط؛ فالثورة التي انفجرت ضد الاستعمار البريطاني لم يخلُ الاحتفال بها من رفع علم الاستعمار البريطاني في الساحة! والمتحمسون للإمارات والسلطنات والمشيخات القديمة شاركوا في الدعوة إلى إعادة الدولة الجنوبية التي قضت عليها ثورة أكتوبر ودولتها.. وتسابق الرافضون ليمنية الجنوب إلى الاحتفال بالثورة التي رفعت شعار الوحدة اليمنية، وأسمت الدولة التي نتجت عنها ..اليمن الجنوبية!
****
دعوات إعادة الدولة الجنوبية القديمة أمامها عقبات كثيرة أقواها سمعتها التاريخية السوداء في ذاكرة الشعب من غير كوادرها.. الخشية الحقيقية مما قاله حسين زيد بن يحيى؛ وهو حراكي موالٍ للحوثيين أمس؛ إن الاعتصامات الأخيرة في عدن مشبوهة، ومدعومة من قطر وتركيا، ووراؤها مشروع لإعادة الاستعمار البريطاني لعدن والمنطقة!
بصرف النظر عن النيات؛ فهذه أقوى دعاية للانفصال أن وراءه مخطط لإعادة بريطانيا بدعم قطر وتركيا الغنيتين.. انفصال مثل كذا وإلا بلاش.. مش قالك انفصال يرجع دولة البيض وباعوم، ومحمد علي أحمد والخبجي، ومسدوس.. وغالباً سيكون وزير الدفاع فيها واحد محايد بين القوى السياسية مهمته المحافظة على المسيرة إلى.. "الإمام"!
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك