أمام الشباب العربي خلال العشر سنوات المقبلة تحديات أخرى أكثر حدة من تلك التي عاشها خلال القرن المنصرم وبداية القرن الحالي . وعدا دول عربية قليلة هي دول مجلس التعاون الخليجي فإن بقية العالم العربي سيواجه وضعا ذا صلة مباشرة بصناعة المستقبل أي بسياسات الاستشراف والنمو المبني على التوقع . هناك مشكلتان اثنتان تتشكلان الآن على نحو مختلف : أزمة الاقتصاد وأزمة الهوية وكلاهما مرتبط برسم الغد ، وعلى واضعي السياسات في عالمنا العربي الحسم سريعا في مشكلات اليوم كخطوة أولى في حسم مشكلات الغد وإلا واجه الجيل الحاكم مستقبلا توازنا في القوة الاقليمية في غير صالحه.
السكان وسوق الشغل
قفز متوسط البطالة في الدول العربية من 14 بالمائة العام 2011 الى 16 بالمائة العام الجاري حسب تقرير أخير لمنظمة العمل العربية ويعني ذلك أن عدد العاطلين عن العمل بين الشباب العربي تتجاوز عتبة الـ 20 مليون نسمة منهم 8 مليون امرأة . وفي بعض الدول العربية يرتفع معدل البطالة الى 40 بالمائة ، وحسب تقرير لمنظمة " الاسكوا " ومقرها في بيروت فإن توقعات الطلب على الشغل في البلاد العربية تلامس 1.5 مليون وظيفة سنويا ما يعني 15 مليون وظيفة في العشر سنوات القادمة ولا يذكر التقرير نسبة حملة الشهادات في سوق الشغل ولكن بيانات رسمية لدولة نفطية تشير الى متوسط 27 بالمائة كمؤشر لبطالة الجامعيين مقابل 10 بالمائة كمعدل عام للبطالة .
ما تعنيه هذه المؤشرات الأولية ما يلي :
أولا – تفاقم العجز بين قوتي العرض والطلب على العمل أي بين قرارات المؤسسة ورغبات القادرين على العمل ، وبتعبير آخر تفوق سرعة عرض العمل مضاعف الاستثمار في سوق الانتاج على الرغم من الزيادة المستمرة في ايرادات الدول العربية من المحروقات ( 860 مليار دولارا في 2012 ) .
ثانيا – زيادة عرض عمل الفئة الجامعية بالشكل الذي يقيد نوعية الأعمال المطلوبة ويضغط على قرار عرض العمل من قبل تلك الفئة ، و يضع المؤسسة المنتجة في مربع محدود من حيث المسؤولية الاجتماعية في مكافحة البطالة .
ثالثا – ضبط سياسات الدول العربية المعنية بالاستثمار في القطاعات الطالبة لليد العاملة بالشكل الذي يطرد العمالة الوافدة ، وضبط قرارات مؤسسات القطاع الخاص نحو تخفيض الأجور تحت فرضية فائض عرض العمل.
ثلاثة استنتاجات تؤدي حتما الى :
أولا – تفاقم مؤشر الفقر ومن ثمة تفاقم الأمراض المرتبطة به وزيادة الاحتجاجات في الدول العربية المعنية بالتحول الديمقراطي .
ثانيا – زيادة معدل الهجرة في الوسط الجامعي ومن ثمة تراجع العائد على الاستثمار في التعليم العالي ما يعني خسارة مهمة في توظيف رأس المال البشري .
ثالثا – الأثر المضاعف للبطالة في عدد من الدول العربية المعنية بالعمالة الوافدة شأن الصومال ، مصر ، اليمن وسوريا حاليا .
وضع لا يسر على صعيد موازنات الدول الاجتماعية والصحية وعلى صعيد الاسكان ومؤشرات التنمية البشرية .
اتجاهات للتضخم غير مسبوقة
في منظومة اقتصادية حرة ينخفض التضخم حين ترتفع البطالة بسبب أثر البطالة على الطلب الكلي على السلع ، ولكن في حالة الأسواق العربية تختلف القاعدة حيث يرتفع التضخم تحت ضغط السيولة النقدية الناجمة عن انفاق البرجوازية الصغيرة من جهة ثم الأسواق الاحتكارية للسلع الأكثر ضرورة أي المواد واسعة الاستهلاك وأخيرا سعر صرف العملات الوطنية المتأتي عن خلل الموازين التجارية لكل الدول العربية دون استثناء .
ويكفي للدلالة على هذا الوضع أنه وفي الوقت الذي لامس فيه معدل البطالة – عربيا – سقف الـ 16 بالمائة ، ارتفع متوسط التضخم - عربيا كمعدل سنوي - الى 5 بالمائة . وارتفعت الأسعار في دولة عربية 4 مرات أي بمعدل 400 بالمائة في سنتين ، وفي دولة عربية ثانية قفز التضخم من 4 بالمائة الى 10 بالمائة في 6 أشهر ، ما يعني أن قاعدة توازن التضخم بالبطالة في الدول العربية لا ينشأ داخل السوق ولكن المتغيرات خارج السوق هي الأقوى تحكما في مسارات الاقتصاد .
ومع تزايد الطلب الكلي الناتج عن زيادة السكان وليس عن طلب العاملين – شأن الحالة الصينية مثلا – ومع ضعف البنية الانتاجية خارج المواد الطبيعية الموجهة للأسواق الخارجية لا نستبعد تفاقم ظاهرة زيادة الأسعار الاسمية فوق مستوى الأجور الحقيقية ما يعني موجة من الاحتجاجات ستتوسع رقعتها لدول عربية أخرى .
نحو خارطة مستقبل اقتصادي عربي
بين يدي واضعي السياسات في وطننا العربي حلول كثيرة لإنعاش الحالة الاقتصادية ولكنها غير موظفة بسبب طبيعة المؤسسات الحاكمة . ومن تلك الحلول التالي :
أولا - ضبط نظم التعليم والتكوين بأهداف النمو الاقتصادي والاجتماعي وليس بأهداف الكم وحده .
ثانيا – ضبط البيانات الاحصائية على مسارات المستقبل المتوسط والبعيد وتحرير المعلومة الاحصائية حتى يتمكن الأعوان الاقتصاديون بما في ذلك القطاع العام من ضبط توقعاتهم للأسواق بدقة .
ثالثا – تحرير سوق الاستثمار بإطلاق نظم المتابعة والمكافحة المستمرة لكوابح المبادرات .
رابعا – اطلاق الآليات الأكثر فعالية من الجانبين التشريعي والمؤسساتي لتطهير الأسواق من المنافسة غير الشريفة ومن الفساد .
خامسا – اطلاق نموذج نمو اقتصادي عربي مبني على المعرفة والتكامل والاندماج يعمل باستقلال عن النسيج السياسي المبني على مخلفات الاستعمار وخطط التفرقة العربية .
وعندما تريد أجهزة الحكم العربي ذلك فستجد الكوادر الوطنية المتمكنة من فنيات التصميم ورسم المستقبل وفي نفس الوقت ستجد النتائج وقد ظهرت على الأرض تعمل على استدامتها نظم متطورة في تحقيق التنمية المستدامة.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك